وقال الإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللهُ- في "تفسيره": قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨)} [القمر: ٤٧، ٤٨].
قال: يُخبر تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحقّ، وسُعُر مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء، وهذا يَشمل كل من اتّصف بذلك من كافر، ومبتدع، من سائر الفرق، ثم قال تعالى:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}؛ أي: كما كانوا في سُعُر، وشكّ، وتردُّد، أورثهم ذلك النارَ، وكما كانوا ضُلّالًا يُسحبون فيها على وجوههم، لا يدرون أين يذهبون، ويقال لهم تقريعًا وتوبيخًا:{ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}، وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩)}، كقوله:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان: ٢]، وكقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)} [الأعلى: ١ - ٣]؛ أي: قَدّر قَدَرًا، وهدى الخلائق إليه، ولهذا يستدلّ بهذه الآية الكريمة أئمة السُّنَّة على إثبات قَدَر الله السابق لِخَلْقه، وهو عِلْمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل بَرْئها، وردُّوا بهذه الآية، وبما شاكلها من الآيات، وما وَرَدَ في معناها من الأحاديث الثابتات، على الفرقة القدرية، الذين نَبَغُوا في أواخر عصر الصحابة -رضي الله عنهم- (١)، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللهُ-.
[تنبيه]: ضعّف بعضهم هذا الحديث بسبب زياد بن إسماعيل؛ لأنهم تكلموا فيه.
[قلت]: زياد، وإن ضعَّفه ابن معين، وغيره، فقد رَوَى عنه ابن جريج، والثوريّ، وقال ابن المدينيّ: رجل من أهل مكة معروف، وقال النسائيّ: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه، ووثقه ابن حبّان، ووثّقه مسلم أيضًا حيث أخرج له هذا الحديث في الأصول، فأقلّ أحواله أن يكون حسن الحديث، فتنبّه، والله تعالى أعلم.