للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للعدول إلى القول، فالأظهر ما قاله ابن حجر: إن ظاهر السياق: ثم قرأ، فعَدَل عنه لفظًا إشارة فيما يظهر -والله أعلم- أن اللفظ القرآنيّ في مقام الاستدلال لا تجري عليه أحكام القرآن؛ لأن ذِكره للاستدلال به صارف له عن القرآنيّة. اهـ. ويؤيّده ترك الاستعاذة في ابتدائه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله الطيبيّ: هو التوجيه الأقرب، وأما ما استظهره القاري مما قاله ابن حجر، ففيه نظر، ولا سيّما قوله: صارف له عن القرآنيّة غير صحيح؛ بل باطلٌ؛ فإن الاستدلال بالقرآن لا يصحّ إلا بكونه قرآنًا، وأما إذا خرج عن كونه قرآنًا فليس محل استدلال، وأما ما أيّد به من تَرْك الاستعاذة فيه، فلا يدلّ عليه؛ وإنما يدل على كون الأمر بالاستعاذة في الآية للاستحباب، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

(وَاقْرؤوا إِنْ شِئْتُمْ) معرفة الدليل على ما ذُكر من القرآن قوله تعالى: ({فِطْرَتَ اللَّهِ} [الروم: ٣٠]) بنصب "فطرة" على الإغراء؛ أي: الزموها، وسيأتي ما قيل في معناها. ({الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ} [الروم: ٣٠])؛ أي: خَلَقهم ابتداءً، وجَبَلهم ({عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠])؛ أي: على تلك الفطرة، ({لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠])؛ أي: فيكم، من قبول الإسلام، وهو مؤوّل بأنه من شأنه، أو الغالب فيه، أنه لا يبدّل، أو يقال: الخبر بمعنى النهي، ولا يجوز أن يكون إخبارًا محضًا، لحصول التبديل.

قال حماد بن سلمة في معنى الحديث: هذا عندنا حيث أَخَذ الله العهد في أصلاب آبائهم، فقالوا: بلى، قال الخطابيّ: هذا معنى حسنٌ، وكأنه ذهب إلى أنه لا عبرة بالإيمان الفطريّ في أحكام الدنيا، وإنما يُعتبر الإيمان الشرعيّ المكتسَب بالإرادة، ألا ترى أنه يقول: "فأبواه يهوّدانه" في حكم الدنيا، فهو مع وجود الإيمان الفطريّ فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين.

قال القرطبيّ -رحمه الله-: أقول -والعلم عند الله تعالى-: ويؤيّد هذا وجوه: أحدها: أن التعريف في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يولد على الفطرة" إشارة إلى معهود، وهو قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}


(١) "مرقاة المفاتيح" ١/ ٢٦٤.