للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خالصًا لوجهه، ولا على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علومًا نافعة كذلك هباءً منثورًا، فصارت أعماله وعلومه حسرات عليه.

و"السَّرَاب": ما يُرَى في الفلاة المنبسطة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يَسْرُب (١) على وجه الأرض، كأنه ماء يجري، و"القيعة": القاع، وهو: المنبسط من الأرض الذي لا جبل فيه، ولا فيه وادٍ، فشُبِّه علوم من لَمْ يأخذ علومه وأعماله من الوحي بسراب، يراه المسافر في شدة الحرّ فيؤُمُّه فيخيب ظنه، ويجده نارًا تلظي، فهكذا علوم أهل الباطل وأعمالهم إذا حُشِر الناس، واشتد بهم العطش بَدَت لهم كالسراب، فيحسبونه ماءً، فإذا أتوه وجدوا الله عنده، فأخذتهم زبانية العذاب، فعَتَلُوهم إلى نار الجحيم، فسُقُوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم، وذلك الماء الذي سُقُوه هو تلك العلوم التي لا تنفع، والأعمال التي كانت لغير الله تعالى، صَيَّرها الله تعالى حميمًا سقاهم إياه، كما أن طعامهم من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، وهو تلك المعلوم والأعمال الباطلة التي كانت في الدنيا كذلك لا تُسمى ولا تُغني من جوع، وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)} [الكهف: ١٠٣، ١٠٤]، وهم الذين عُنُوا بقوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)} [الفرقان: ٢٣]، وهم الذين عُنُوا بقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: ١٦٧].

(والقسم الثاني) من هذا المصنّف: أصحاب الظلمات، وهم المنغمسون في الجهل، بحيث قد أحاط بهم من كلّ وجه، فهم بمنزلة الأنعام، بل هم أضلّ سبيلًا، فهؤلاء أعمالهم التي عملوها على غير بصيرة، بل بمجرد التقليد واتباع الآباء، من غير نور من الله تعالى، {كَظُلُمَاتٍ} جمع ظلمة، وهي ظلمة الجهل، وظلمة الكفر، وظلمة الظلم واتباع الهوي، وظلمة الشك والريب، وظلمة الإعراض عن الحقّ الذي بعث الله تعالى به رسله صلوات الله وسلامه عليهم، والنور الذي أنزله معهم؛ ليخرجوا به الناس من الظلمات إلى النور،


(١) بضمّ الراء من باب قعد.