للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تابعهم على هديهم، وسلك طريقهم، كما قال في حديث الترمذيّ.

وقد تبيّن بهذه الأحاديث أن الافتراق المحذَّر منه إنما هو في أصول الدِّين وقواعده؛ لأنه قد أَطلق عليها مِللًا، وأخبر أن التمسّك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار، ومثل هذا لا يقال على الاختلاف في الفروع، فإنه لا يوجب تعدّد الملل، ولا عذاب النار، وإنما هو على أحد المذهبين السابقَين: إما مُصيب، فله أجران، وإما مخطئ، فله أجر، على ما ذكرناه في الأصول. انتهى كلام القرطبيّ رحمه اللهُ (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

(الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وقال في "الفتح": قوله: "سنن" بفتح السين للأكثر، وقال ابن التين: قرأناه بضمها، وقال المهلّب: بالفتح أَولى؛ لأنه الذي يُستعمل فيه الذراع والشِّبر، وهو الطريق، قال الحافظ: وليس اللفظ الأخير ببعيد من ذلك، وقوله: (شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ) قال الطيبيّ رحمه اللهُ: حال مثل "يدًا بيد" (٢).

وقال في "العمدة": نُصِب بنزع الخافض، تقديره: لتتبعن سَنَن من قبلكم اتباعًا بشبر ملتبس بشبر، وذراعٍ ملتبس بذراع، وهذا كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات، والمعاصي، لا في الكفر، وكذلك قوله: "لو سلكوا جحر ضب" بضم الجيم وسكون الحاء، والضب دويبة تُشبه الوَرَلَ، تأكله الأعراب، والأنثى ضبَّة، قال ابن خالويه: يعيش سبعمائة سنة، فأكثر، ولا يشرب ماءً (٣)، وخصّ، وتقول العرب: هو قاضي الطير والبهائم، يقولون: اجتمعت إليه أول ما خلق الله الإنسان، فوصفته له، فقال الضب: تَصِفُون خَلْقًا يُنزل الطير من السماء، ويُخرج الحوت من الماء، فمن كان له جناح فليطر، ومن كان ذا مِخلب فليحتفر. ووجه التخصيص بجحر الضب؛ لشدة ضيقه، ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم، واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لوافقوهم. انتهى (٤).


(١) "المفهم" ٦/ ٦٩٤ - ٦٩٥.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٣٩٠.
(٣) كلام ابن خالويه يحتاج إلى دليل صحيح، والله أعلم.
(٤) "عمدة القاري" ١٦/ ٤٣، و"فيض القدير" ٥/ ٢٦١.