للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية للبخاريّ: "شبرًا شبرًا، وذراعًا ذراعًا"، قال عياض: الشبر، والذراع، والطريق، ودخول الْجُحْر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء، مما نَهَى الشرع عنه وذمّه.

(حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ) بضمّ الجيم، وسكون الحاء المهملة، (ضَبٍّ) بفتح الضاد المعجمة، وتشديد الموحّدة: دُويبة معروفة، يقال: خُصّت بالذِّكر؛ لأن الضب يقال له: قاضي البهائم، قال الحافظ: والذي يظهر أن التخصيص إنما وقع لِجُحر الضب؛ لشدّة ضيقه، ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم، واتّباعهم طرائقهم، لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لتبعوهم. انتهى (١).

وقال المناويّ رَحمه اللهُ: قوله: "حتى لو دخلوا جحر ضبّ إلخ" مبالغة في الاتباع، فإذا اقتصروا في الذي ابتدعوه، فستقتصرون، وإن بسطوا فستبسطوا، حتى لو بلغوا إلى غاية لبلغتموها، حتى كانت تقتل أنبياءها، فلما عصم الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - قتلوا خلفاءه؛ تحقيقًا لصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (٢).

وقال الصنعانيّ رحمه اللهُ: الحديث إعلام، وإخبار بأن الأمة، والمراد غالبها تُشابِه الأمم في المعاصي، وباقي أنواع ما يأتونه غير الكفر، وهو تحذير عن تَشابُه من قبلهم في أفعالهم، وأخلاقهم، وقد صدق إخباره - صلى الله عليه وسلم -، فقد سلك الناس مسالك الأمم في الابتداع، والاتّساع، وإقامة الحدود على الضعفاء، دون الشرفاء، وقبول الرِّشا، والاتّساع في شهوات الدنيا، وزخرفة المساجد، واتخاذ القبور أوثانًا، وغير ذلك مما يعرفه كل عارف. انتهى (٣).

(لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ قُلْنَا) قال الحافظ رحمه الله: لم أقف على تعيين القائل، (يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟)؛ أي: أتعني بمن نتّبعهم اليهود والنصارى؟، فأجابهم، فـ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("فَمَنْ؟ ") استفهام إنكار، والتقدير: فإن لم أُرِدْهم فمن سواهم؟ أي: ليس المراد غيرهم (٤).


(١) "الفتح" ١٧/ ٢١٢، كتاب "الاعتصام" رقم (٧٣٢٠).
(٢) "فيض القدير شرح الجامع الصغير" ٥/ ٢٦١.
(٣) "التنوير شرح الجامع الصغير" ٩/ ٢٨.
(٤) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٣٩٠.