للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لقوله: (أَنْ يُرْفَعَ) بضمّ أوله، مبنيًّا للمفعول، والنائب قوله: (الْعِلْمُ) وقَبْضه: إما بقبض العلماء، وإما بخفضهم عند الأمراء، وفي رواية للبخاريّ: "أن يقلّ العلم" وهو بكسر القاف من القلّة، قال في "الفتح": يَحْتَمِل أن يكون المراد بقلّته أول العلامة، وبرفعه آخرها، أوأُطلقت القلّة وأريد بها العدم، كما يُطلق العدم، ويراد به القلّة، وهذا ألْيَق؛ لاتحاد المخرج. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رَحمه اللهُ: قد بيّن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كيفية رَفْع العلم، وظهور الجهل في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - الذي قال فيه: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. . ." الحديث، وهو نصّ في أن رفع العلم لا يكون بمحوه من الصدور، بل بموت العلماء، وبقاء الجهّال الذين يتعاطون مناصب العلماء في الفتيا والتعليم، يُفتون بالجهل، ويعلّمونه، فينتشر الجهل، ويظهر، وقد ظهر ذلك ووُجد على نحو ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، فكان ذلك دليلًا من أدلّة نبوّته، وخصوصًا في هذه الأزمان؛ إذ قد وَليَ المدارس، والفتيا كثير من الجهّال، والصبيان، وحُرِمها أهل ذلك الشأن، غير أنه قد جاء في كتاب الترمذيّ عن جُبير بن نُفير، عن أبي الدرداء، ما يدلّ على أن الذي يُرفع هو العمل، قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: كنّا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فشَخَص ببصره إلى السماء، ثم قال: "هذا أوانٌ يُختلس فيه العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء"، فقال زياد بن لَبيد الأنصاريّ: وكيف يُختلس منّا، وقد قرأنا القران؟ فوالله لنَقرَأنّه، ولَنُقرِئنّه نساءنا، وأبناءنا، فقال: "ثَكِلتك أمك يا زياد! إن كُنتُ لأعدّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة، والإنجيل، عند اليهود، والنصارى، فماذا تُغني عنهم؟ ". قال: فلقيت عُبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك أبو الدرداء؟، فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئتَ لأحدّثنّك بأول علم يُرفع: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجامع، فلا ترى فيه رجلًا خاشعًا، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب (٢)، وقد خرّجه النسائيّ من حديث


(١) "الفتح" ١/ ٣١٤، كتاب "العلم" رقم (٨١).
(٢) وصحَّحه الشيخ الألبانيّ رحمه اللهُ.