للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جُبير بن نُفير أيضًا، عن عوف بن مالك الأشجعيّ، من طرق صحيحة.

قال: وظاهر هذا الحديث أن الذي يُرفع إنما هو العمل بالعلم، لا نَفْس العلم، وهذا بخلاف ما ظهر من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، فإنَّه صريح في رفع العلم.

قلت (١): ولا تباعد فيهما، فإنَّه إذا ذهب العلم بموت العلماء، خَلَفهم الجهّال، فأفتوا بالجهل، فعُمِل به، فذهب العلم والعمل، وإن كانت المصاحف والكتب بأيدي الناس، كما اتَّفَق لأهل الكتابَيْن من قبلنا، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزياد على ما نصّ عليه النسائيّ: "ثكلتك أمك زِيادُ! هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى؟ "، وذلك أن علماءهم لمَّا انقرضوا خَلَفهم جهّالهم، فحرّفوا الكتاب، وجهلوا المعاني، فعَمِلوا بالجهل، وأفتوا به، فارتفع العلم والعمل، وبقيت أشخاص الكتب، لا تغني شيئًا. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٢)، وهو بحثٌ مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

وقوله: (ويَظْهَرَ) بالبناء للفاعل، والفاعل قوله: (الْجَهْلُ، ويَفْشُوَ) بفتح أوله، وضم الشين، مبنيًّا للفاعل أيضًا؛ أي: يكثر، وينتشر، والفاعل قوله: (الزِّنَا) بالقصر، والمدّ، (ويُشْرَبَ) بضمّ أوله مبنيًّا للمفعول، ومصدره: الشرب، بضم الشين، وفتحها، وقُرئ بهما في المتواتر عند قوله تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)} [الواقعة: ٥٥]، ويجوز كسرها، ففي "القاموس": شَرِب كسَمِعَ شرْبًا، ويُثَلَّثُ. انتهى.

ونائب الفاعل قوله: (الْخَمْرُ)، وقوله: (وَيَذْهَبَ) بفتح أوله مبنيًّا للفاعل، والنائب قوله: (الرِّجَالُ)؛ أي: يموتون، وقوله: (وَتَبْقَى) بفتح أوله، مبنيًّا للفاعل، والفاعل قوله: (النِّسَاءُ) وفي رواية للبخاريّ: "وتكثر النساء"، قيل: سببه أن الفتن تكثر، فيكثر القتل في الرجال؛ لأنهم أهل الحرب دون النساء، وقال أبو عبد الملك: هو إشارة إلى كثرة الفتوح، فتكثر السبايا، فيتخذ الرجل الواحد عدّة موطوءات.

وتعقبه الحافظ، فقال: وفيه نظر؛ لأنه صرّح بالقلّة في حديث أبي موسى


(١) القائل هو القرطبيّ رحمه الله.
(٢) "المفهم" ٦/ ٧٠٥ - ٧٠٨.