للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأشعريّ عند البخاريّ، فقال: "من قلة الرجال، وكثرة النساء" والظاهر أنها علامة محضة، لا لسبب آخر (١)، بل يُقَدِّر الله في آخر الزمان أن يقلّ من يولد من الذكور، ويكثر من يولد من الإناث، وكون كثرة النساء من العلامات مناسِبة لظهور الجهل، ورَفْع العلم.

وقوله: (حَتَّى يَكُونَ) "حتى" هنا للغاية، والفعل منصوب بـ "أن" مضمرة بعدها وجوبًا، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ "حَتَّى" هَكَذَا إِضْمَارُ "أَنْ" … حَتْمٌ كـ"جُدْ حَتَّى تَسُرَّ ذَا حَزَنْ"

(لِخَمْسِينَ امْرَأةً) يَحْتَمِل أن يراد به حقيقة هذا العدد، أو يكون مجازًا عن الكثرة، ويؤيده أن في حديث أبي موسى: "وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأةً".

وقال في "العمدة": قوله: "لخمسين امرأة" يَحْتَمِل أن يراد بها حقيقة هذا العدد، وأن يراد بها كونها مجازًا عن الكثرة، ولعل السرّ فيه أن الأربعة في كمال نصاب الزوجات، فاعتُبر الكمال مع زيادة واحدة عليه، ثم اعتبر كل واحدة بعشر أمثالها؛ ليصير فوق الكمال؛ مبالغةً في الكثرة، أو لأن الأربعة منها يمكن تألّف العشرة؛ لأن فيها واحدًا، أو اثنين، وثلاثة، وأربعة، وهذا المجموع عشرة، ومن العشرات المئات، ومن المئات الألوف، فهي أصل جميع مراتب الأعداد، فزيد فوق الأصل واحد آخر، ثم اعتُبر كل واحدة منها بعشر أمثالها أيضًا تأكيدًا للكثرة، ومبالغة فيها. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى ما في هذا التوجيه من التكلّف، فالأَولى عدم الخوض، والله تعالى أعلم.

(قَيِّمٌ وَاحِدٌ") برفع "قيّمٌ"؛ لأنه اسم "يكونَ"، و"واحدٌ" صفته، والقيّم بتشديد التحتانيّة: من يقوم بأمرهنّ، واللام للعهد إشعارًا بما هو معهود، من كون الرجال قوّامين على النساء، وكأن هذه الأمور الخمسة خُصّت بالذِّكر؛ لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد، وهي الدِّين؛ لأن رَفْع العلم يُخلّ به، والعقلُ؛ لأن شرب الخمر يُخلّ به،


(١) وللعينيّ تعقّب لكلام الحافظ هذا.
(٢) "عمدة القاري" ٢/ ٨٤.