(المسألة الثانية): في ذكر الفوائد الزائدة في هذه الرواية (١):
١ - (منها): أن في حديث أبي أمامة -رضي الله عنه - من الفائدة الزائدة أن بقاء الكتب بعد رفع العلم بموت العلماء، لا يغني من ليس بعالم شيئًا، فإن في بقيته:"فسأله أعرابيّ، فقال: يا نبيّ الله كيف يُرفع العلم منا، وبين أظهرنا المصاحف، وقد تعلمنا ما فيها، وعلّمناها أبناءنا، ونساءنا، وخَدَمنا؟ فرفع إليه رأسه، وهو مغضب، فقال: وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف، لم يتعلقوا منها بحرف فيما جاءهم به أنبياؤهم"، قال الحافظ: ولهذه الزيادة شواهد من حديث عوف بن مالك، وابن عمرو، وصفوان بن عَسّال، وغيرهم، وهي عند الترمذيّ، والطبرانيّ، والدارميّ، والبزار، بألفاظ مختلفة، وفي جميعها هذا المعنى.
وقد فَسّر عمر قبض العلم بما وقع تفسيره به في حديث عبد الله بن عمرو، وذلك فيما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، فذكر الحديث، وفيه:"ويُرفع العلم، فسمعه عمر، فقال: أما إنه ليس ينزع من صدور العلماء، ولكن بذهاب العلماء"، وهذا يَحْتَمِل أن يكون عند عمر مرفوعًا، فيكون شاهدًا قويًّا لحديث عبد الله بن عمرو.
٢ - (ومنها): أن فيه الزجرَ عن ترئيس الجاهل؛ لِمَا يترتب عليه من المفسدة، وقد يَتَمَسّك به من لا يجيز تولية الجاهل بالحكم، ولو كان عاقلًا عفيفًا، لكن إذا دار الأمر بين العالم الفاسق، والجاهل العفيف، فالجاهل العفيف أَولى؛ لأن وَرَعه يمنعه عن الحكم بغير علم، فيحمله على البحث والسؤال.
٣ - (ومنها): أن فيه حضَّ أهل العلم، وطَلَبَته على أخذ بعضهم عن بعض، وشهادة بعضهم لبعض بالحفظ والفضل.
٤ - (ومنها): أن فيه حضّ العالم طالبه على الأخذ عن غيره؛ ليستفيد ما ليس عنده.
٥ - (ومنها): التثبت فيما يحدّث به المحدّث إذا قامت قرينة الذهول، ومراعاة الفاضل من جهة قول عائشة -رضي الله عنها -: اذهب إليه، ففاتحه، حتى تسأله عن الحديث، ولم تقل له: سله عنه ابتداءً؛ خشيةً من استيحاشه.
(١) المراد: الرواية التي ساقها مسلم هنا، والروايات التي ذُكرت في الشرح أيضًا.