للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٤ - (ومنها): إثبات الحجاب له سبحانه وتعالى، وهو النور الحائل بينه وبين خلقه، ولولاه لاحترقوا.

٥ - (ومنها): الردّ على الجهميّة فيما أنكرته من الصفات، وهو الوجه، والبصر، ورفع القسط، وخفضه، فكلها صفات ثابتة لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله.

٦ - (ومنها): ما قال الإمام عثمان بن سعيد الدارميّ رحمه الله في كتاب الرّدّ على المريسيّ: إنما كانت تَحرق سُبُحات وجهه سبحانه وتعالى لو كشفها كلّ شيء في الدنيا؛ لأن الله تعالى كَتَب الفناء عليها، وركَّب ما ركّب من جوارح الخلق للفناء، فلا تحتمل نور البقاء، فتحترق به، أو تُدكّ، كما دُكّ الجبل، فإذا كان يوم القيامة رُكّبت الأبصار والجوارح للبقاء، فاحتملت النظر إلى وجهه الكريم، وإلى سُبُحاته، ونور وجهه من غير أن تحرق أحدًا، كما لو أن أجسَمَ رَجُلٍ وأَعْظَمه وأكمله لو أُلقي في الدنيا في تنّور مسجور لصار رمادًا في ساعة، فهو يتحرق في نار جهنم ألف عام وأكثر، ونارُها أشدّ حرًّا من نار الدنيا سبعين ضعفًا، لا يصير منها رمادًا، ولا يموت، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦)} [النساء: ٥٦]؛ لأن أجسامهم، وأبصارهم، وأسماعهم تُركَّب يومئذ للبقاء، فاحْتَمَلت من عذاب جهنّم ما لم تكن تحتمل جزءًا من ألف جزء من عذاب الدنيا، وكذلك أولياء الله تعالى تحتمل أبصارهم النظر إلى وجه الله تعالى يوم القيامة، ولو قد أدركهم شيء من سُبُحات وجهه في الدنيا لاحترقوا، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم تحتملها أبصارهم. انتهى كلام الدارميّ رحمه الله، (١) وهو تحقيق مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قال النوويّ في "شرحه": وأما الحجاب: فأصله في اللغة المنع والستر، وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة، والله تعالى مُنَزَّه عن الجسم، والحدّ، والمراد هنا المانع من رؤيته، وسُمِّي ذلك


(١) "نقض الدارميّ" ٢/ ٧٥٥ - ٧٥٨.