للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المانع نورًا أو نارًا؛ لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة؛ لشعاعهما، والمراد بالوجه الذاتُ، والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه، جميعُ المخلوقات؛ لأن بصره سبحانه وتعالى مُحيط بجميع الكائنات، ولفظة "من" لبيان الجنس، لا للتبعيض، والتقدير: لو أزال المانع من رؤيته، وهو الحجاب المسمى نورًا أو نارًا، وتَجَلَّى لخلقه، لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره النووي تبعًا للقاضي عياض، وغيره من الأشاعرة المؤوّلين مما لا يخفى ما فيه من الفساد:

(فمن ذلك): تأويل الحجاب ودعوى كونه مجازًا عن منع الرؤية، وهذا باطلٌ؛ لأن النصوص أثبتت لله سبحانه وتعالى الحجاب، فمذهب السلف أن الحجاب ثابت لله سبحانه وتعالى على حقيقته، كما أثبتته النصوص، فهو يحجب بصر خلقه عنه بنوره، فلا أحد يُدركه سبحانه وتعالى، قال الإمام عثمان بن سعيد الدارميّ رحمه الله في كتابه الردّ على بشر المريسيّ: إنما نقول: احتجب الله بهذه النار عن خلقه بقدرته وسلطانه، لو قُدّر كشفها لأحرق نور الربّ، وجلاؤه كلَّ ما أدركه بصره، وبصره مدرك كلّ شيء، غير أنه يُصيب به ما يشاء، ويَصرفه عما يشاء، كما أنه حين تجلّى لذلك الجبل خاصّةً من بين الجبال جعله دكًّا، ولو تجلّى لجميع جبال الأرض لصارت دكّاء كما صار جبل موسى، ولو تجلّى لموسى لجعله دكًّا، وإنما خرّ صعقًا؛ لما هاله من صوت الجبل. انتهى (٢).

(ومن ذلك): تفسيره الوجه بالذات، فإنه منه مصير إلى نفي صفة الوجه، وهو غير صحيح، بل الوجه صفة ثابتة لله تعالى، كما أثبتها لنفسه في كتابه، حيث قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)} [الرحمن: ٢٧]، وحيث أثبته هذا الحديث الصحيح، وغيره من الأحاديث الصحيحة، ولا يلزم من إثباتنا له تشبيهه بخلقه، فأيّ فرق بين إثباتنا له الذات، وبين إثباتنا له الوجه؟، فإن كان يلزم من الوجه التشبيه لزم من الذات أيضًا، لكن نقول: له ذات لا تشبه الذوات، ووجه لا يشبه الوجوه، وبصرٌ لا يُشبه الأبصار، ويدٌ لا تشبه الأيدي، وغير ذلك من


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ١٣ - ١٤.
(٢) "نقض الدارميّ على المريسيّ" ٢/ ٧٥٠ - ٧٥٤.