للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واعتزل، وخلا بمراعاة الأمر والنهي. انتهى (١).

وقال في "المشارق": قوله: "سبق الْمُفَرِّدون" بفتح الفاء، وكسر الراء، كذا ضبطناه، قال ابن الأعرابيّ: يقال: فَرَّدَ الرجلُ مشدّد الراء: إذا تفقه، واعتزل الناس، وخلا بمراعاته الأمر والنهي، وقال ابن قتيبة: هم الذين هلك لِدَاتُهم من الناس، وبَقُوا هم يذكرون الله، وقال الأزهريّ: هم المتَخَلُّون عن الناس بذكر الله، وقيل: المنفرد بذكر الله: الذي لم يخلط به غيره، وبعضها قريب من بعض، راجعة إلى معنى الانعزال عن الناس لعبادة الله، وقد جاء مفسَّرًا في حديث، "قيل: من المفردون؟ فقال: هم الذين اهْتِروا في ذكر الله، يضع الذكر أثقالهم، فيأتون خِفَافًا"، وقيل: أُهْتِروا: أصابهم خبال، وقيل: المفرّدون: الموحِّدون الذين لا يرون إلا الله تعالى، واعتقدوه واحدًا فردًا، وأخلصوا له بكلّيتهم، وهو من معنى ما قبله، وقيل: معناه مثل قولهم: هَرِم فلان في طاعة الله؛ أي: لم يزل ملازمًا لها حتى هَرِم، وقيل: أُهتِروا: اشتَهَروا، وقيل: أُولعُوا. انتهى (٢).

وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله -: وروى موسى بن عُبيدة، عن أبي عبد الله القَرّاظ، عن معاذ بن جبل، قال: بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - نُسير بالقريب من جُمدان؛ إذِ استَنْبَه، فقال: "يا معاذ أين السابقون؟ " فقلت: قد مَضَوا، وتخلّف أناس، فقال: "يا معاذ إن السابقين الذين يُسْتَهْتَرون بذكر الله"، خرّجه جعفر الفريانيّ (٣).

قال: ومن هذا السياق يظهر وَجْه ذِكر السابقين في هذا الحديث، فإنه لمّا سبق الركب، وتخلّف بعضهم، نَبّه النبيّ -صلى الله عليه وسلم - على أن السابقين على الحقيقة هم الذين يُديمون ذكر الله، ويولَعُون به، فإن الاستهتار بالشيء هو الوُلوع به، والشّغَفُ حتى لا يكاد يفارق ذكره، وهذا على رواية من رواه: "الْمُسْتَهْتَرُون"، ورواه بعضهم، فقال فيه: "الذين أُهْتِرُوا في ذكر الله"، وفسّر ابن قتيبة الْهَتْر


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٤.
(٢) "مشارق الأنوار" ٢/ ١٥١.
(٣) موسى بن عُبيدة ضعيف، ورواه أيضًا الطبرانيّ في "الكبير" ٢٠/ ٣٢٦، وذكره الهيثميّ في "المجمع" ١٠/ ٧٥ وقال: فيه موسى بن عُبيدة، وهو ضعيف.