الصورة التي تكون الوفاة فيها خيرًا له نادرة، فلا يدعو بها، ولا يعتمد عليها على ظنّ نفسه فيها، إلا إن وَكَل الأمر في ذلك إلى علم الله تعالى، قاله وليّ الدين - رحمه الله - (١).
(المسألة الرابعة): في الحديث النهي عن تمنّي الموت، وعن الدعاء به، وهو محمول على الكراهة، كما حَكَى العراقيّ - رحمه الله - في "شرح الترمذيّ" الإجماع عليه، وقال: إن هذا هو الصارف عن حمل النهي على التحريم، قال وليّ الدين: لكن صرّح أبو عمر بن عبد البرّ بالتحريم، فقال: المتمني للموت ليس بمحبّ للقاء الله - عز وجل -، بل هو عاصٍ لله تعالى في تمنّيه للموت؛ إذا كان بالنهي عالِمًا، ثم قال العراقيّ: وقد صحّ عن عمر - رضي الله عنه - الدعاء بالموت، فيما رواه مالك في "الموطإ" أنه قال: اللَّهُمَّ قد ضَعُفت قوّتي، وكَبُرت سنّي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع، ولا مقصِّر، فما جاوز ذلك الشهر حتى قُبض - رضي الله عنه -. قال العراقيّ: وليس فيه أن ذلك لخوف فتنة.
وتعقّبه ولده، فقال: بل ظاهره أنه لخوف فتنة في الدين، فإنه خائف لضَعف قوته، وانتشار رعيته، وكثرتهم، أن يقع تضييع منه لأمورهم، وتقصير في القيام بحقوقهم، فلمّا خَشِي هذه الفتنة دعا بالموت.
قال العراقيّ: وقد جاء تمني الموت عن جماعة من السلف خوفًا من إظهار أحوالهم التي بينهم وبين الله تعالى، لا يحبون اطلاع الخلق عليها.
قال وليّ الدين: الظاهر أن ذلك لخوف الفتنة في الدين أيضًا، خَشُوا من ظهور أعمالهم وأحوالهم وخروجها من السرّ إلى العلانية تطرّق المفسدات إليها، من الرياء، والإعجاب، وكانوا في راحة بالاختفاء، فطلبوا الموت خوفًا من مفسدة الظهور.
[فإن قلت]: دعا يوسف الصديق - عليه السلام - بالموت في قوله:{تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف: ١٠١]، قال قتادة: لم يتمن الموت أحد إلا يوسف - عليه السلام - حين تكاملت عليه النعم، وجُمع له الشمل اشتاق إلى لقاء ربه.
قال وليّ الدين: المختار في تفسير تلك الآية أن مراده: توفّني عند