للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قلت]: وسائر الأدعية كذلك؛ لأنها إما مقدَّرة، فلا فائدة في سؤالها؛ لوقوعها لا محالة، أو غير مقدَّرة، ففي سؤالها اعتراض، ومراغمة للقَدَر، وهذا يؤدي إلى سدّ باب الدعاء، وهو باطل.

[قلت]: أما الدعاء بالمغفرة، والرحمة، والأمور الأخروية، ففيه إظهار الافتقار، والمسكنة، والخضوع، والتذلل، والاحتياج.

وأما الدعاء بالأمور الدنيوية، فلاحتياج للعبد إليها، وظهور المصلحة فيها، وقد تكون قُدِّرت له إن دعا بها، دون ما إذا لم يَدْع بها، فالأسباب مقدرة، كما أن المسبَّبات مقدرة، وأما الدعاء بالموت، فلم يَظهر فيه مصلحة؛ لِمَا فيه من طلب إزالة نعمة الحياة، وما يَترتب عليها من الفوائد، كما سيأتي تقريره (١).

(المسألة الخامسة): أشار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المعنى في النهي عن تمني الموت، والدعاء به، وهو انقطاع الأعمال بالموت، ففي الحياة زيادة الأجور، بزيادة الأعمال، ولو لم يكن إلا استمرار الإيمان، فأيُّ عمل أعظم منه؟ وقد قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا سُئل عن أفضل الأعمال -: "إيمان بالله"، فبدأ به.

[فإن قلت]: قد يُسلب الإيمان بالله - والعياذ بالله -.

[قلت]: إنْ سبق له في علم الله خاتمة السوء، فلا بدّ من وقوع ذلك، طال عمره، أو قَصُر، وإن سبقت له السعادة، فزيادة عمره زيادةٌ في حسناته، ورَفْع في درجاته، كَثُرت أو قلّت.

وقد رَوَى أحمد في "مسنده" من رواية عليّ بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: جلسنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذَكَّرنا، ورَقَّقنا، فبكى سعد، فأكثر البكاء، فقال: يا ليتني متّ، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا سعد أعندي تتمنى الموت؟ " فردّد ذلك ثلاث مرات، ثم قال: "يا سعد إن كنت خُلقت للجنة فما طال من عمرك، أو حَسُن من عملك، فهو خير لك".

[فإن قلت]: فما معنى قوله: "وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا"، فقد يزيده شرًّا بالأعمال السيئة؟.


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٣/ ٢٥٤ - ٢٥٥.