[قلت]: إنْ حُمل على المؤمن الكامل الإيمان، فواضح، فإن ذاك لا يصدر منه إلا خير، وإنْ حُمل على مطلق المؤمن، بحيث يتناول المخلِّط فهو أيضًا لا يزيده عمره إلا خيرًا؛ لكثرة المكفرات، والمضاعفة للأعمال الصالحة، فما دام معه أصل الأعمال، فحسناته مقبولة مضاعفة، وسيئاته محفوفة بالمكفِّرات، بحيث لا يبقى منها إن شاء الله إلا اليسير، يمحوه الكرم المحض، والعفو العظيم.
[فإن قلت]: قوله في الرواية الأخرى: "إما محسنًا فلعله يزداد، وإما مسيئًا فلعله يَسْتَعْتِب"، يُسأل عنه، فيقال: لم تنحصر القسمة في هذين الوصفين، فلعله بكونه مسيئًا يزداد إساءة، فيكون زيادة العمر زيادة له في السيئات، كما في الحديث الصحيح:"شرّ الناس من طال عمره، وساء عمله"، أو لعله يكون محسنًا، فتنقلب حاله إلى الإساءة - والعياذ بالله تعالى -.
[قلت]: تَرَجِّي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - له زيادة الإحسان، أو الانكفاف عن السوء، فبتقدير أن يدوم على حاله، فإذا كان معه أصل الإيمان، فهو خير له بكل حال، كما تقدّم، وعلى تقدير أن يخف إحسانه، فذاك الإحسان الخفيف الذي دام عليه، مضاعف له مع أصل الإيمان، وإن زادت إساءته، فالإساءة كثير منها يُكَفَّر، وما لا يُكفَر يُرجَى العفو عنه، كما تقدم، فما دام معه الإيمان فالحياة خير له، كما تقدم.
وقال الحافظ العراقيّ - رحمه الله - في "شرح الترمذيّ": هذا خرج مخرج الرجاء، وحُسن الظن بالله تعالى، وأن المحسن يرجو من الله تعالى الزيادة في توفيقه للزيادة فيه، وأن المسيء لا ينبغي له القنوط، بل لا يقطع رجاءه من الله تعالى، كما قال تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} الآية [الزمر: ٥٣] انتهى.
(المسألة السادسة): أطلق في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - النهي عن تمني الموت، وقيّده في حديث أنس - رضي الله عنه - في "الصحيحين" بأن يكون تمنّيه لضرّ نزل به، فقال:"لا يتمنينّ أحدكم الموت؛ لضرّ نزل به"، ومطلق الضرّ يشمل الدنيويّ، والأخرويّ، لكن المراد إنما هو الضرّ الدنيويّ، من مرض، أو فاقة، أو محنة، من عدوّ، أو نحو ذلك، من مشاقّ الدنيا، كما هو مبيَّن في رواية