للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فإنه إذا كان رداء الكبرياء مانعًا عن نظر أهل جنّة عدن، فكيف غيرهم؟، وصفة الكبرياء من لوازم ذاته تعالى، لا يمكن زوالها عنه، فيدوم المنع بدوامها، إلا أن يقال: هي مانعة عن دوام النظر، لا عن أصل النظر، على أن معنى قوله: "وبين أن ينظروا" أي: وبين أن يُديموا، فلولا هي لدام نظرهم، وذلك لأن المنع من مقتضيات المعاملة بهذه الصفة، وهي غير لازمة، وبهذا صارت صفة الكبرياء مانعةً عن دوام النظر، دون أصله، فليُتأمّل.

ويمكن أن يقال: المراد برداء الكبرياء هو المعاملة بمقتضاها، لا نفس صفة الكبرياء، كما هو مقتضى الإضافة؛ إذ الأصل التغاير، لا التباين، وهو المناسب بالتعبير بالرداء، بناءً على أن الرداء عادةً لا يلزم اللابس لزوم الإزار، وحينئذ، فرداء الكبرياء، وإن كان مانعًا من أصل النظر، لكنه غير لازم، فيمكن النظر، وعلى الوجهين فالحديث مسوقٌ لإفادة كمال قرب أهل جنّة عدن منه تعالى. انتهى (١).

وقال المازريّ: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاطب العرب بما تَفْهَم، ويُخرِج لهم الأشياء المعنوية إلى الحس؛ ليُقَرِّب تناولهم لها، فعبّر عن زوال الموانع ورفعه عن الأبصار بذلك.

وقال عياض: كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيرًا، وهي أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها، ومنه قوله تعالى: {جَنَاحَ الذُّلِّ} [الإسراء: ٢٤]، فمخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم برداء الكبرياء على وجهه، ونحو ذلك من هذا المعنى، ومن لم يفهم ذلك تاه، فمن أجرى الكلام على ظاهره، أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له، وعَلِم أن الله مُنَزَّهٌ عن الذي يقتضيه ظاهرها، إما أن يُكَذِّب نقلَتها، وإما أن يؤوّلها، كأن يقول: استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانعِ إدراكَ أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداءَ الكبرياء، فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته، وموانع عظمته. انتهى ملخصًا.


= أبي هريرة - رضي الله عنه -، ولفظه: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار".
(١) "شرح السنديّ" ١/ ١٢١.