العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرّثوا دينارًا، ولا درهمًا، وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
وسيأتي لمسلم قريبًا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الطويل، وفيه: "ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة".
فهذه النصوص الواردة في العلماء، وطلاب العلم ليست بأنقص مما ورد في حديث الباب للذاكرين، على أنهم في الحقيقة من الذاكرين الله كثيرًا، والذاكرات؛ لأنهم يتدراسون كتاب الله، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتفقّهون فيهما، وهذا هو الذكر بعينه، فتأمّل بالإمعان، والله تعالى وليّ التوفيق.
(قَالَ) الله - عَزَّ وَجَلَّ - للملائكة:(وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟)؛ أي: شيء يسأل هؤلاء الذاكرون؟ (قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ)؛ أي: أن تُدخلهم فيها، وفي رواية البخاريّ: "يسبّحونك، ويكبّرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله، ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادةً، وأشدّ لك تمجيدًا، وأكثر لك تسبيحًا، قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة. . ." الحديث.
(قَالَ) الله تعالى: (وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟) حتى يسألوني أن أدخلهم فيها، (قَالُوا: لَا أَيْ رَبِّ)؛ أي: لم يَرَوْها، وإنما أخبرتَهم بها في كتابك، وعلى لسان رسولك، فآمنوا، وصدَّقوا، واشتاقوا إليها، (قَالَ) الله تعالى: (فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟)؛ أي: فكيف يكون شوقهم إليها لو رأوها؟ زاد في رواية البخاريّ: "لو أنهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصًا، وأشدّ لها طلبًا، وأعظم فيها رغبةً".
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فكيف لو رأوا جنتي؟ " هذا يدلّ على أن للمعاينة زيادةَ مزيّة على العلم في التحقيق والوضوح، فإنَّ هؤلاء القوم المتذكّرين للجنة والنار كانوا عالمين بذلك، ومع ذلك، فإنَّ الله تعالى قال: "فكيف لو رأوها"، يعني: لو رأوها لحصل من اليقين والتحقيق زيادةٌ على ما عندهم، ولتحصيل هذه الزيادة سأل موسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - الرؤية، والخليل - عَلَيْهِ السَّلامُ - مشاهدة