للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوّكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: "ذِكر الله تعالى" (١)، وهو حديث صحيح.

٣ - (ومنها): بيان سعة فضل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - على عباده حيث شرع لهم الذي الميسور لكلّ أحد، ورتّب عليه الثواب الجزيل، فيُدرك العبد في أيام معدودة من الأجر والثواب ما يُدركه في سنين مديدة بغيره من الأعمال، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: ٢١].

٤ - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم، كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة، ويكون له ثواب آخر على الزيادة، وليس هذا من الحدود التي نُهي عن اعتدائها، ومجاوزة أعدادها، وأن زيادتها لا فضل فيها، أو تبطلها، كالزيادة في عدد الطهارة، وعدد ركعات الصلاة.

ويَحْتَمِل أن يكون المراد: الزيادة من أعمال الخير، لا من نفس التهليل.

ويَحْتَمِل أن يكون المراد: مطلق الزيادة، سواء كانت من التهليل، أو من غيره، أو منه ومن غيره، وهذا الاحتمال أظهر، والله أعلم (٢).

٥ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذه الأجور العظيمة، والعوائد الجمة، إنما تحصل كاملة لمن قام بحق هذه الكلمات، فأحضر معانيها بقلبه، وتأمّلها بفهمه، واتضحت له معانيها، وخاض في بحار معرفتها، ورتع في رياض زهرتها، ووصل فيها إلى عين اليقين، فإنْ لم يكن، فإلى علم اليقين، وهذا هو الإحسان في الذكر، فإنَّه من أعظم العبادات، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما قدَّمناه في الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإنْ لم تكن تراه فإنَّه يراك"، متَّفقٌ عليه.

ثم لمّا كان الذاكرون في إدراكاتهم، وفهومهم مختلفين، كانت أجورهم على ذلك، بحَسَب ما أدركوا، وعلى هذا يُنَزّل اختلاف مقادير الأجور، والثواب المذكور في أحاديث الأذكار، فإنك تجد في بعضها ثوابًا عظيمًا


(١) "جامع الترمذيّ" ٥/ ٤٥٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٧.