الظاهر حديث أبي ذرّ:"قلت: يا رسول الله، أخبرني بأحبّ الكلام إلى الله، قال: إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده"، أخرجه مسلم، وفي رواية:"سئل: أيّ الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفاه الله لملائكته: سبحان الله وبحمده".
وقال الطيبيّ رَحِمَهُ اللهُ: في الكلام على حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه - فيه تلميح بقوله تعالى حكاية عن الملائكة:{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}[البقرة: ٣٠] ويمكن أن يكون قوله: "سبحان الله وبحمده" مختصرًا من الكلمات الأربع، وهي:"سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"؛ لأن "سبحان الله" تنزيهٌ له عما لا يليق بجلاله، وتقديس لصفاته من النقائص، فيندرج فيه معنى "لا إله إلا الله"، وقوله:"وبحمده" صريح في معنى "والحمد لله"؛ لأن الإضافة فيه بمعنى اللام في الحمد، ويستلزم ذلك معنى "الله أكبر"؛ لأنه إذا كان كل الفضل والإفضال لله، ومن الله، وليس من غيره شيء من ذلك، فلا يكون أحد أكبر منه، ومع ذلك كله فلا يلزم أن يكون التسبيح أفضل من التهليل؛ لأن التهليل صريح في التوحيد، والتسبيح متضمِّن له، ولأن نفي الآلهة في قول:"لا إله" نفي لمضمونها، مِن فِعل الخلق، والرزق، والإثابة، والعقوبة، وقول:"إلا الله" إثبات لذلك، ويلزم منه نفي ما يضادّه، ويخالفه، من النقائص، فمنطوق "سبحان الله" تنزيه، ومفهومه توحيد، ومنطوق "لا إله إلا الله" توحيد، ومفهومه تنزيه؛ يعني: فيكون "لا إله إلا الله" أفضل؛ لأن التوحيد أصل، والتنزيه ينشأ عنه، والله أعلم.
وقد جمع القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ (١) بما حاصله: أن هذه الأذكار إذا أُطلق على بعضها أنه أفضل الكلام، أو أحبه إلى الله، فالمراد: إذا انضمت إلى أخواتها، بدليل حديث سمرة - رضي الله عنه - عند مسلم:"أحب الكلام إلى الله أربع، لا يضرك بأيهنّ بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، ويَحْتَمِل أن يُكتَفَى في ذلك بالمعنى، فيكون من اقتصر على بعضها كفى؛ لأن حاصلها التعظيم، والتنزيه، ومن نزَّهه فقد عظَّمه، ومن عظمه فقد نزهه. انتهى.