للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(الدُّنْيَا) الفانية المنقضية، و"من" تبعيضية، أو ابتدائية. (نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً)؛ أي: عظيمة، (مِنْ كُرَب يَوْم الْقِيَامَةِ)؛ أي: الباقية الغير المتناهية، فلا يَردُ أنه تعالى قال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٥]، فإنه أعمّ من أن يكون في الكمية، أو الكيفية، ولمّا كان الخلق كلهم عيال الله، وتنفيس الكرب إحسان، فجازاه الله جزاء وفاقًا؛ لقوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)} [الرحمن: ٦٠] (١).

(وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ)؛ أي: سَهّل على فقير، وهو يشمل المؤمن والكافر المعاهَد؛ أي: من كان له دَين على فقير، فسَهَّل عليه بإمهال، أو بترك بعضه، أو كله، وقال الطيبيّ: المعسر: من رَكِبه الدَّين، وتعسّر عليه قضاؤه، (يَسَّرَ اللهُ) وفي بعض النسخ: "يُيَسّر الله"، (عَلَيْهِ) بدل تيسيره على عبده مجازاةَ بجنسه، (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)؛ أي: في أمورهما. (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا)؛ أي: في قبيحٍ يفعله، فلا يَفْضحه، أو كساه ثوبًا، قاله القاري، وقال غيره: أي: ستر بدنه باللباس، أو عيوبه بعدم الغيبة له، والذبّ عن معايبه، وهذا على من ليس معروفًا بالفساد، وأما المعروف به، فيُستحب أن تُرفع قصته إلى الوالي، ولو رآه في معصية، فينكرها بحسب القدرة، وإن عجز يرفعها إلى الحاكم؛ إذا لم يترتب عليه مفسدة، وأما جرح الرواة والشهود، وأمناء الصدقات، فواجب (٢).

(سَتَرَهُ اللهُ)؛ أي: سَتَر عيوبه، وقبيح عمله، وقال المظهر: يجوز أن يراد بالستر: الظاهر، وأن يراد: سَتْر من ارتكب ذنبًا، فلا يفضحه (٣). (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ) الواو للاستئناف، وهو في عون العبد تذييل للكلام السابق. (مَا كَانَ الْعَبْدُ) "ما" مصدريّة ظرفيّة؛ أي: مدّةَ كون العبد مشغولًا في عون أخيه بأي وجهٍ كان، من جلب نفع، أو دفع ضرّ. (فِي عَوْنِ أَخِيهِ)؛ أي: مشغولًا بقضاء حاجة أخيه المسلم، وفيه إشارة إلى فضيلة عون الأخ على أموره، والمكافأة عليها بجنسها من العناية الإلهية، سواء كان بقلبه، أو بدنه، أو بهما؛ لدفع المضارّ، أو جلب المسارّ؛ إذ الكل عون.


(١) "مرقاة المفاتيح" ١/ ٤١٤.
(٢) راجع: "المرعاة" ١/ ٣٠٨.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٦٦٥.