وقال الطيبيّ رَحِمَهُ اللهُ:"والله في عون العبد" تذييل للسابق، لا سيّما على دفع المضرّة عن أخيه المسلم، وعلى جلب النفع له، ولذلك أخرجه من سياق الشرطية، وبنى الخبر على المبتدأ؛ ليقوى به الحكم، وخصّ العبد بالذكر تشريفًا له بنسبة العبديّة له، كما شرّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}[الإسراء: ١]، وكرّره، وقال:"في عون العبد"، ولم يقل: والله يعينه في كذا، كما قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩]؛ أي: إن الله يوقع العون في العبد، ويجعله مكانًا له؛ مبالغة في الإعانة. انتهى (١).
ولمّا فرغ من الحثّ على الشفقة على خَلْق الله تعالى أتبعه بما يُنبئ عن التعظيم لأمر الله تعالى؛ لأن العلم وسيلة إلى العمل، ومقدّمة له، ومن ثمّ ختمه بقوله:"ومن بطّأ به عمله"، فقال:
(وَمَنْ سَلَكَ)؛ أي: دخل، أو مشى (طَرِيقًا)؛ أي: قريبًا، أو بعيدًا، قيل: التنوين للتعميم؛ إذ النكرة في الإثبات قد تفيد العموم؛ أي: سببًا؛ أيّ سبب كان، من التعلّم، والتعليم، والتصنيف، والكدح فيه، ومفارقة الأوطان، والضرب في البلدان، والإنفاق فيه، وغير ذلك مما لا يُحصى كثرةً، وقال في "المرعاة": "ومن سلك طريقًا" حقيقيًّا حسّيًّا، وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء، أو معنويًّا، مثل حِفظ العلم، ومدارسته، ومذاكرته، ومطالعته، وكتابته، والتفهّم له، ونحو ذلك من الطرق المعنويّة التي يُتوصّل بها إلى العلم. انتهى.
وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: قوله: "ومن سلك … إلخ"؛ أي: من مشى إلى تحصيل علم شرعيّ، قاصدًا به وجه الله تعالى، جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلمًا مكرمًا.
وقوله (يَلْتَمِسُ فِيهِ)؛ أي: يطلب، والجملة حاليّة، أو صفة لـ "طريقًا". (عِلْمًا) نَكّره؛ ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدِّين، قليله، أو كثيرة؛ إذا كان بنيّة القربة، والنفع، والانتفاع، وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم، وقد