للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عذاب النار، وفتنة القبر: هي الضلال عن صواب إجابة الملَكين فيه، وهما: منكر ونكير -كما تقدّم-. وعذاب القبر: هو ضربُ من لم يوفَّق للجواب بمطارق الحديد، وتعذيبه إلى يوم القيامة، وشر فتنة الغنى: هي الحرص على الجمع للمال، وحبّه حتى يكتسبه من غير حلّه، وبمنعه من واجبات إنفاقه، وحقوقه. وشر فتنة الفقر؛ يعني به: الفقر المدقع الذي لا يصحبه صبر، ولا ورع، حتى يتورّط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الأديان، ولا بأهل المروءات، حتى لا يبالي بسبب فاقته على أيّ حرام وثب، ولا في أيّ ركاكة تورّط، وقيل: المراد به فقر النفس الذي لا يردّه مُلك الدنيا بحذافيرها.

وليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدلّ على أن الغنى أفضل من الفقر، ولا أن الفقر أفضل من الغنى؛ لأنَّ الغنى والفقر المذكورين هنا مذمومان باتفاق العقلاء، وقد تكلّمنا على مسألة التفضيل فيما تقدّم.

والكسل المتعوّذ منه: هو التثاقل عن الطاعات، وعن السعي في تحصيل المصالح الدينية والدنيوية، والعجز المتعوّذ منه: هو عدم القدرة على تلك الأمور، والهَرَم المتعوّذ منه: هو المعبّر عنه في الحديث الآخر بأرذل العمر، وهو: ضَعف القوى، واختلال الحواسّ، والعقل الذي يعود الكبير بسببه إلى أسوأ من حال الصغير، وهو الذي قال اللَّه تعالى فيه: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (٦٨)} [يس: ٦٨]. انتهى (١).

(وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى) هو البَطَر، والطغيان، وتحصيل المال من الحرام، وصَرْفه في العصيان، والتفاخر بالمال والجاه. (وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ) هو الحسد على الأغنياء، والطمع في أموالهم، والتذلل بما يدنِّس العِرْض، ويَثْلِم الدين، وعدم الرضا بما قَسَم اللَّه له، وغير ذلك مما لا تُحْمَد عاقبته.

وقيل: الفتنة هنا: الابتلاء، والامتحان؛ أي: من بلاء الغنى، وبلاء الفقر؛ أي: من الغنى والفقر الذي يكون بلاءً ومشقةً. ذكره في "المرقاة" (٢).

وقال المناويّ: "ومن شر فتنة الغنى"؛ أي: البطر، والطغيان، والتفاخر، وصَرْف المال في المعاصي، "وأعوذ بك من فتنة الفقر"؛ أي: حسد الأغنياء،


(١) "المفهم" ٧/ ٣٣ - ٣٤.
(٢) "عون المعبود" ٤/ ٢٨٢.