(بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ) خصَّهما بالذِّكر؛ لنقائهما، ولِبُعدهما من مخالطة النجاسة، و"البرد" بفتح الباء الموحدة والراء: حَبّ الغمام، تقول منه: بردت الأرض.
وقال في "الفتح": حكمة العدول عن الماء الحارّ إلى الثلج والبرد، مع أن الحارّ في العادة أبلغ في إزالة الوسخ: الإشارةُ إلى أن الثلج والبرد ماءان طاهران، لم تمسهما الأيدي، ولم يمتهنهما الاستعمال، فكان ذكرهما آكد في هذا المقام، أشار إلى هذا الخطابيّ. وقال الكرمانيّ: وله توجيه آخر، وهو أنه جعل الخطايا بمنزلة النار؛ لكونها تؤدي إليها، فعَبَّر عن إطفاء حرارتها بالغسل؛ تأكيدًا في إطفائها، وبالغ فيه باستعمال المبرّدات؛ ترقيًا عن الماء إلى أبرد منه، وهو الثلج، ثم إلى أبرد منه، وهو البَرَد، بدليل أنه قد يَجْمُد ويصير جليدًا، بخلاف الثلج، فإنه يذوب. انتهى (١).
(وَنَقِّ) بفتح النون، وشد القاف، (قَلْبِي) الذي هو بمنزلة ملك الأعضاء، واستقامَتُها باستقامته. (مِنَ الْخَطَايَا) تأكيد للسابق، ومجاز عن إزالة الذنوب، ومحو أثرها. (كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ) -بفتح الدال، والنون-؛ أي: الوسخ، وفي رواية:"من الدرن".
وقال في "العمدة": قوله: "ونَقِّ" أمْر مِن نَقَّى يُنَقِّي تنقية، وذَكَره للتأكيد، وقال الداوديّ: هو مجاز؛ يعني: كما يَغسل ماء الثلج، وماء البرد ما يصيبه.
قيل: العادة أنه إذا أُريدَ المبالغة في الغسل يغسل بالماء الحارّ، لا بالبارد، ولا سيما الثلج ونحوه، وأجاب الخطابيّ بأن هذه أمثال، لم يُرِدْ بها أعيان المسمَّيات، وإنما أراد بها التوكيد في التطهير من الخطايا، والمبالغة في محوها عنه، والثلج والبرد ماءان مقصوران على الطهارة، لم تمسهما الأيدي، ولم يمتهنهما استعمال، فكان ضَرْب المثل بهما أوكد في بيان ما أراده من التطهير.
وقال الكرمانيّ: يَحْتَمِل أنه جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم؛ لأنها مؤدية إليها، فعبَّر عن إطفاء حرارتها بالغسل تأكيدًا في الإطفاء، وبالغ فيه باستعمال