للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حذف إحدى التاءين، وفي رواية للبيهقيّ: "تتمارون بإثباتهما" (١).

(قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ) أي لا نتضارّ في ذلك (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْس، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ ") جملة في محلّ نصب على الحال، أي حال كونها غير محجوبة بسحاب (قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ الله، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ) المراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح، وزوال الشك، ورفعِ المشقة والاختلاف.

وقال القرطبيّ رحمه الله: هذا تشبيه للرؤية، ولحالة الرائي، لا المرئيّ، ومعناه: أنكم تستوون في رؤية الله تعالى من غير مضارّة، ولا مزاحمة كما تستوون في رؤية الشمس والبدر عيانًا (٢).

وقال البيهقيّ: سمعت الشيخ أبا الطيب الصُّعْلُوكيّ يقول: "تُضَامُّون" - بضم أوله، وتشديد الميم - يريد: لا تجتمعون لرؤيته في جِهَة، ولا ينضم بعضكم إلى بعض، فإنه لا يُرَى في جهة، ومعناه بفتح أوله: لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة، وهو بغير تشديد من الضيم، معناه: لا تُظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض، فإنكم ترونه في جهاتكم كلِّها، وهو متعالٍ عن الجهة، قال: والتشبيه برؤية القمر لتعيين الرؤية دون تشبيه المرئي سبحانه وتعالى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: نفي الجهة في رؤية الله تعالى - كما قال بعض المحقّقين - هو قول الأشاعرة والماتريديّة، ونُفاة العلوّ عن الله تعالى، والحقّ أن الله سبحانه وتعالى يُرى في الآخرة، ويراه المؤمنون من فوقهم، وهو في علوّه الذي أثبته لنفسه، وأثبته له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نصوص كثيرة، والله تعالى أعلم.

وقال الزين ابن الْمُنَيِّر: إنما خَصّ الشمس والقمر بالذكر، مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية، وأعظم خَلْقًا من مجرد الشمس والقمر؛ لِمَا خُصَّا به من عظيم النور والضياء، بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغًا شائعًا في الاستعمال.

وقال ابن الأثير: قد يَتَخَيَّل بعض الناس أن الكاف كاف التشبيه للمرئيّ،


(١) "الفتح" ١١/ ٤٥٥ "كتاب الرقاق" (٦٥٧٤).
(٢) "المفهم" ١/ ٤١٥.