للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[قلت]: "إليك" متعلق برغبةً، وأُعطي للرهبة حُكمها، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، كقول بعضهم:

وَرَأَيْتُ بَعْلَكِ فِي الْوَغَى … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا

والرمح لا يُتقلد، وكقول الآخر:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا … حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا

والماء لا يُعلف. انتهى (١).

(لَا مَلْجَأَ، وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ) أصل "ملجأ" بالهمز، و"منجا" بغير همز، ولكن لمّا جُمعا جاز أن يهمزا للازدواج، وأن يُترك الهمز فيهما، وأن يُهمز المهموز، ويترك الآخر، فهذه ثلاثة أوجه، ويجوز التنوين مع القصر، فتصير خمسة.

قال الكرمانيّ: هذان اللفظان إن كانا مصدرين يتنازعان في "منك"، وإن كانا ظرفين فلا؛ إذ اسم المكان لا يعمل، وتقديره: لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك، ولا منجا منك إلا إليك. انتهى.

وقال في "العمدة": قوله: "لا ملجأ، ولا منجأ" إعرابهما مثل إعراب عَصًى، وفي التركيب خمسة أوجه؛ لأنه مِثل: "لا حول، ولا قوة، إلا باللَّه" والفرق بين نَصْبه، وفَتْحه بالتنوين، وعند التنوين تسقط الألف، ثم إنهما إن كانا مصدرين يتنازعان في "منك"، وإن كانا مكانين فلا؛ إذ اسم المكان لا يعمل، وتقديره: لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك، ولا منجأ إلا إليك. انتهى (٢).

[تنبيه]: قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في نَظْم هذا الذكر عجائب، لا يعرفها إلا المتقن من أهل البيان، فأشار بقوله: "أسلمت نفسي" إلى أن جوارحه منقادة للَّه تعالى في أوامره، ونواهيه، وبقوله: "وجهت وجهي" إلى أن ذاته مخلصة له، بريئة من النفاق، وبقوله: "فوضت أمري" إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوّضة إليه، لا مدبِّر لها غيره، وبقوله: "ألجأت ظهري" إلى أنه بعد التفويض يلتجئ إليه مما يضره، ويؤذيه من الأسباب كلها، قال: وقوله: "رغبةً، ورهبةً"


(١) "عمدة القاري" ٢٢/ ٢٨٣.
(٢) "عمدة القاري" ٢٢/ ٢٨٩.