للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بخلاف غيره. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قال القرطبيّ (٢) تبعًا لغيره: هذا حجة لمن لم يُجز نقل الحديث بالمعنى، وهو الصحيح من مذهب مالك، فإن لفظ النبوة والرسالة مختلفان في أصل الوضع، فإن النبوة من النبأ، وهو الخبر، فالنبيّ في العرف: هو المنَبَّأ من جهة اللَّه بأمر يقتضي تكليفًا، وإن أُمر بتبليغه إلى غيره، فهو رسول، وإلا فهو نبيّ غير رسول، وعلى هذا فكل رسول نبيّ بلا عكس، فإن النبيّ والرسول اشتركا في أمر عامّ، وهو النبأ، وافترقا في الرسالة، فإذا قلت: فلان رسول تضمَّن أنه نبيّ رسول، وإذا قلت: فلان نبيّ لم يستلزم أنه رسول، فأراد -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يجمع بينهما في اللفظ؛ لاجتماعهما فيه، حتى يُفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وُضع له، وليخرج عما يكون شِبْه التكرار في اللفظ، من غير فائدة، فإنه إذا قال: ورسولك، فقد فُهم منه أنه أرسله، فإذا قال: الذي أرسلت صار كالحشو الذي لا فائدة فيه، بخلاف قوله: ونبيّك الذي أرسلت، فلا تكرار فيه، لا متحققًا، ولا متوهمًا. انتهى كلامه.

قال الحافظ: وقوله: صار كالحشو، متعقَّب؛ لثبوته في أفصح الكلام، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤]، {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ} [المزمل: ١٥]، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} [التوبة: ٣٣]، ومن غير هذا اللفظ: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} [ق: ٤١]، إلى غير ذلك، فالأولى حذف هذا الكلام الأخير، والاقتصار على قوله: "ونبيّك الذي أرسلت" في هذا المقام أفْيد من قوله: "ورسولك الذي أرسلت"؛ لِما ذُكِر، والذي ذكره في الفرق بين الرسول والنبيّ مقيّد بالرسول البشريّ، وإلا فإطلاق الرسول كما في اللفظ هنا يتناول الملَك، كجبريل؛ مثلًا، فيظهر لذلك فائدة أخرى، وهي تعيّن البشريّ دون الملَك، فيخلص الكلام من اللَّبس.

وأما الاستدلال به على مَنْع الرواية بالمعنى ففيه نظر؛ لأن شرط الرواية بالمعنى أن يتفق اللفظان في المعنى المذكور، وقد تقرر أن النبيّ والرسول متغايران لفظًا ومعنى، فلا يتم الاحتجاج بذلك.


(١) "عمدة القاري" ٣/ ١٨٩.
(٢) "المفهم" ٧/ ٣٩.