للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠)} [البقرة: ٢١٠]، وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)} [الفجر: ٢٢]، وهي من الصفات الفعليّة المتعلّقة بالمشيئة، وقد تضمّنت معنى الصفة والفعل، فالحقّ الذي كان عليه سلف الأمة الصالحون بلا مرية ولا شكّ، أنها ثابتة لله عز وجل بهذا النصّ، كثبوت الاستواء والنزول، وغير ذلك مما جاءت به النصوص الصحيحة الصريحة.

وقد ردّ ابن القيّم رحمه الله على من ادّعى أن الإتيان والمجيء مجاز من اثني عشر وجهًا، أبطل فيها تأويل هذه الصفة، ونقض دعوى كون ما ورد من ذلك من مجاز الحذف، والتقدير: وجاء أمر ربّك، ومما قاله: إن في السياق ما يُبطل هذا التقدير، وهو قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ} فعطف مجيء الملك على مجيئه سبحانه وتعالى يدلّ على تغاير المجيئين، وأن مجيئه سبحانه وتعالى حقيقةٌ كما أن مجيء الملك حقيقة، بل مجيء الرب أولى أن يكون حقيقة من مجيء الملك، وكذلك قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: ١٥٨]، ففرّق بين إتيان الملائكة، وإتيان الربّ، وإتيان بعض آيات الرب، فقسّم ونوّع، ومع هذا التقسيم يمتنع أن يكون القسمان واحدًا، فتأمله، ولهذا منع عقلاء الفلاسفة حمل مثل هذا اللفظ على مجازه، وقالوا: هذا يأباه التقسيم والترديد. انتهى (١).

وقيل: فيه حذفٌ تقديره: يأتيهم بعض ملائكة الله، ورجحه عياض، قال: ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لِمَا رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الملك؛ لأنه مخلوق.

قال الجامع: هذا أيضًا تأويل باطلٌ، قد عرفت بطلانه مما سبق، ويردّه سياق النصّ، ومما يُبطله أيضًا ما وقع في رواية العلاء بن عبد الرحمن بلفظ: "فيَطَّلِع عليهم رب العالمين"، فهل هذا يقبل التأويل بالملك، إن هذا إلا اختلاق، اللهمّ أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه آمين.

قال: ويحتمل وجهًا رابعًا، وهو أن المعنى: يأتيهم الله بصورة أي بصفة تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الإله ليختبرهم بذلك، فإذا


(١) راجع: "مختصر الصواعق المرسلة" ٢/ ١٠٦ - ١٠٧.