للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال لهم هذا الملك: أنا ربكم، ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعلمون به أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك. انتهى.

قال الجامع: هذا أيضًا تأويل باطلٌ؛ إذ فيه نفي الصورة، وتأويلها بالصفة، والحقّ أن الصورة ثابتة لله تعالى كثبوت الصفة بلا فرق، فالصورة غير الصفة، وكلاهما ثابتتان لله تعالى، فله صفات تليق بجلاله، وصورة تليق بجلاله، كثبوت ذاته العليّة من دون فرق.

وبهذا صرّح الأئمة: أحمد، وإسحاق بن راهويه، وابن خزيمة، وابن قتيبة، وأبو إسماعيل الهرويّ، وغيرهم، وقد قال ابن قتيبة آخر كلامه على حديث الصورة: والذي عندي - والله تعالى أعلم - أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإِلْف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه؛ لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه: بكيفيّة ولا حدّ. انتهى كلام ابن قتيبة رحمه الله (١)، وهو كلام نفيسٌ، وبحثٌ أنيس، فتمسّك به، وعَضّ عليه بناجذيك، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

قال: وأما قوله بعد ذلك: "فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها"، فالمراد بذلك الصفة، والمعنى: فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها، وإنما عرفوه بالصفة، وإن لم تكن تقدمت لهم رؤيته؛ لأنهم يرون حينئذ شيئًا لا يشبه المخلوقين، وقد علموا أنه لا يشبه شيئًا من مخلوقاته، فيعلمون أنه ربهم، فيقولون: أنت ربنا، وعبّر عن الصفة بالصورة؛ لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة.

قال الجامع: قد عرفت أن تأويل الصورة بالصفة غير صحيح، بل الحقّ أن الصورة ثابتة له سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله، فتبصّر.

قال: وأما قوله: "نعوذ بالله منك"، فقال الخطابيّ: يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر من المنافقين، قال القاضي عياض: وهذا لا يصح، ولا يستقيم


(١) راجع: "تأويل المختلف" لابن قتيبة ص ٢٢١، و"السنة" لعبد الله بن أحمد ١/ ٢٦٨ و ٢/ ٤٨٠، و"التوحيد" لابن خزيمة ١/ ٨١ - ٩٦ مع التعليق عليه.