الكلام به، وقال النوويّ: الذي قاله القاضي صحيح، ولفظ الحديث مصرِّح به، أو ظاهرٌ فيه. انتهى.
ورجحه القرطبي في "التذكرة"، وقال: إنه من الامتحان الثاني يتحقق ذلك، فقد جاء في حديث أبي سعيد:"حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب".
وقال ابن العربيّ: إنما استعاذوا منه أوّلًا؛ لأنهم اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله، ولهذا وقع في "الصحيح": "فيأتيهم الله في صورة - أي: بصورة - لا يعرفونها"، وهي الأمر باتباع أهل الباطل، فلذلك يقولون: إذا جاء ربنا عرفناه، أي: إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق.
قال الجامع: تأويل ابن العربيّ أيضًا من نظير ما قبله، فإنه فسّر الصورة بالأمر باتّباع أهل الباطل، وهذا مما لا يقبله من له أدنى فهم، فتبصّر.
وقال ابن الجوزيّ: معنى الخبر: يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة، ومن صور الملائكة بما لم يَعْهَدوا مثله في الدنيا، فيستعيذون من تلك الحال، ويقولون: إذا جاء ربنا عرفناه، أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه، وهي الصورة التي عَبَّر عنها بقوله:"يكشف عن ساق": أي عن شدّة.
قال الجامع: تأويل ابن الجوزيّ أيضًا من نوع ما سبق، فقد أخرج النصّ عن معناه الواضح إلى معنى ركيك، فلا ينبغي الالتفات إليه.
وقال القرطبيّ: هو مقام هائل يَمتحن الله به عباده؛ ليميز الخبيث من الطيّب، وذلك أنه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين، زاعمين أنهم منهم، ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت، كما جاز في الدنيا، امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة، قالت للجميع: أنا ربكم، فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك؛ لِمَا سبق لهم من معرفته سبحانه وتعالى، وأنه منزه عن صفات هذه الصورة، فلهذا قالوا: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئًا، حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب: أي يَزِلّ فيوافق المنافقين، قال: وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء، ولعلهم الذين اعتقدوا الحقّ، وجزموا عليه من غير بصيرة، قال: ثم يقال بعد ذلك للمؤمنين: هل بينكم وبينه علامة؟.
وهذه الزيادة أيضًا من حديث أبي سعيد، ولفظه: "آية تعرفونها؟