ووقع في رواية هشام بن سعد:"ثم نرفع رؤوسنا، وقد عاد لنا في صورته التي رأيناه فيها أول مرّة، فيقول: أنا ربكم، فنقول: نعم أنت ربنا".
قال الحافظ: وهذا فيه إشعار بأنهم رأوه في أول ما حُشِروا، والعلم عند الله تعالى، وقال الخطابيّ: هذه الرؤية غير الرؤية التي تقع في الجنة إكرامًا لهم، فان هذه للامتحان، وتلك لزيادة الإكرام، كما فُسِّرت به الحسنى وزيادة، قال: ولا إشكال في حصول الامتحان في الموقف؛ لأن آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو النار، قال: ويُشبه أن يقال: إنما حَجب عنهم تحقّقَ رؤيته أوّلًا لِمَا كان معهم من المنافقين الذين لا يستحقون رؤيته، فلما تميزوا رَفَع الحجاب، فقال المؤمنون حيمئذ: أنت ربنا.
قال الحافظ: وإذا لوحظ ما تقدم من قوله: "إذا تعرّف لنا عرفناه"، وما ذكرتُ من تأويله ارتفع الإشكال.
وقال الطيبيّ: لا يلزم بأن الدنيا دار بلاء، والآخرة دار جزاء أن لا يقع في واحد منهما ما يُخَصّ بالأخرى، فإن القبر أولُ منازل الآخرة، وفيه الابتلاء والفتنة بالسؤال وغيره، والتحقيق أن التكليف خاصّ بالدنيا، وما يقع في القبر، وفي الموقف هي آثار ذلك.
ووقع في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - من الزيادة:"ثم يقال للمسلمين: ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم"، وفي لفظ:"فيُعْطَون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يُعطَى نوره مثل الجبل، ودون ذلك، ومثل النخلة، ودون ذلك، حتى يكون آخرهم من يعطى نوره على إبهام قدمه"، ووقع في رواية مسلم عن جابر - رضي الله عنه -: "ويعطى كل إنسان منهم نورًا - إلى أن قال -: ثم يطفئ نور المنافقين"، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عند ابن مردويه:"فيُعْطَى كل إنسان منهم نورًا، ثم يوجّهون إلى الصراط، فما كان من منافق طفئ نوره"، وفي لفظ:"فإذا استووا على الصراط سَلَب الله نور المنافقين، فقالوا للمؤمنين: انظرونا نقتبس من نوركم … " الآية، وفي حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عند ابن أبي حاتم: "وإنكم يوم القيامة في مواطن حتى يَغْشَى الناسَ أمرٌ من أمر الله، فتبيضّ وجوه، وتسودّ وجوه، ثم ينتقلون إلى منزل آخر، فتغشى الناس الظلمةُ، فيقسم النور، فيختص بذلك المؤمن، ولا يُعْطَى الكافر ولا المنافق منه شيئًا، فيقول