للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكاتب". انتهى (١).

(قَالَ) حنظلة: (لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ) الصدّيق -رضي اللَّه عنه-، قال القاري: ولعله لما كان مغلوبًا لم يقل: لقيت أبا بكر، كما هو مقتضى الأدب (٢)، وفي الترمذيّ: "أنه مَرّ بأبي بكر، وهو يبكي". (فَقَالَ) له أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: (كيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟) قال القاري: سؤال عن الحال؛ أي: كيف استقامتك على ما نسمع من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أهي مجوَّدة، أم لا؟ (٣)، وقال الطيبيّ: "كيف" سؤال عن الحال؛ أي: أمستقيم على الطريق أم لا؟ (٤). (قَالَ) حنظلة -رضي اللَّه عنه-: (قُلْتُ) مجيبًا عن سؤال أبي بكر -رضي اللَّه عنه-: (نَافَقَ حَنْظَلَةُ)؛ أي: صار منافقًا، وأراد: نفاق العمل، لا نفاق الاعتقاد، قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه تجريد؛ لأنَّ أصل الكلام: نافقت، فجرّد من نفسه شخصًا آخر مثله، فهو يخبر عنه؛ لِمَا رأى من نفسه ما لا يَرضَى؛ لمخالفة السر العلن، والحضور الغَيبة.

وقال الجزريّ: النفاق ضدّ الإخلاص، وأراد به في هذا الحديث: أنني في الظاهر إذا كنت عند النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أخلصت، وإذا انفردت عنه، رغبت في الدنيا، وتركت ما كنت عليه، فكأنه نوعٌ من مخالفة الظاهر للباطن، وما كان يرضى أن يسامح به نفسه، وكذلك كان الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أجمعين يؤاخذون أنفسهم بأقل الأشياء.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه: أنه خاف أنه منافق، حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويظهر عليه ذلك مع المراقبة، والفكر، والإقبال على الآخرة، فإذا خرج اشتغل بالزوجة، والأولاد، ومعاش الدنيا، وأصلُ النفاق: إظهار ما يكتم خلافه من الشرّ، فخاف أن يكون ذلك نفاقًا، فأعلمهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ليس بنفاق، وأنهم لا يكلَّفون الدوام على ذلك. انتهى (٥).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "نافق حنظلة" إنكار منه على نفسه لَمّا وجد


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ٦٥ - ٦٦.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ٥/ ١٤٩.
(٣) "مرقاة المفاتيح" ٥/ ١٤٩.
(٤) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٧٣١.
(٥) "شرح النوويّ" ١٧/ ٦٦ - ٦٧.