(قَالَ) معمر بن راشد: (قَالَ لِيَ الزُّهْرِيّ) محمد بن مسلم: (أَلَا) أداة تحضيض (أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ) مبيّنًا الحديث الأول: (أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف الزهريّ المدنيّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي اللَّه عنه- (عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-) في الرواية الآتية: "سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وقد ذكر الحافظ أبو عمر: أن أكثر رواة "الموطإ" رفعوا هذا الحديث، ووَقَفه القعنبيّ، ومصعب الزبيريّ، على أبي هريرة. قال وليّ الدين: والمراد: وَقْف لفظه، وأما حكمه فهو الرفع؛ لأنه لا يقال مثله، من قِبَل الرأي، فهو مرفوع على كل حال. انتهى.
(قَالَ:"أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ) وفي حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه-: "كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظنّ بعمله"، وفي حديث أبي مسعود: أن هذا الرجل كان نبّاشًا. وفي رواية للطبراني: بينما حذيفة، وأبو مسعود جالسين، فقال أحدهما: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقول: "إن رجلًا من بني إسرائيل، كان ينبش القبور". وفي الرواية الماضية: "لم يعمل حسنة قط". ولأحمد، من حديث ابن مسعود: "أنه لم يعمل شيئًا قط إلا التوحيد".
وظاهر قوله: "أنه لم يعمل حسنة قط"، أنه لم يكن موحدًا؛ لأنَّ التوحيد أعظم الخير، لكن إخباره بأنّه فعل هذا من خشية اللَّه تعالى يدلّ على توحيده، وكيف يخشى اللَّه من لا يعرفه؟ بل يدلّ على علمه؛ لقوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} الآية [فاطر: ٢٨]، وقد رَفعت رواية أحمد المذكورة هذا الإشكال، حيث استثنت من الخير التوحيد.
(فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ، فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ) بكسر الميم، وضمّها، من مات يَمَاتُ، كخاف يخاف، ومات يموت، كقال يقول، وفي حديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- عند البخاريّ: "أن رجلًا كان قبلكم رَغَسَه اللَّه مالًا، فقال لبنيه لمّا حُضِر: أي أَبٍ كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرًا قط، فإذا أنا متّ. . .". وله من حديث حذيفة -رضي اللَّه عنه-: "أن رجلًا حضره الموت، لمّا أيس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ، فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا، ثم أَوْرُوا نارًا، حتى إذا أكلَتْ لحمي، وخلصت إلى عظمي، فخذوها،