فاطحنوها، فذرّوني في اليمّ، في يوم حارّ. . .". (فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي) بفتح الحاء المهملة، أمْر من سحق يسحق، كمنع يمنع، قيل: روي: "اسحكوني"، واسهكوني"، والكل بمعنى واحد، وهو الدّقّ والطحن.
(ثُمَّ اذْرُونِي) بالذال المعجمة، ويجوز في همزه الوصل والقطع، يقال: ذرتْهُ الريحُ، وأذرتْهُ، تذرُوه، وتذرِيه: إذا أَطارته، ومنه تذرية الطعام. كذا ذكر في "المشارق"، و"النهاية": ذريت، وأذريت، بمعنًى. وقال في "الصحاح": ذريته: طيّرته، وأذهبته، وذَرَت الريحُ الترابَ، وغيره تذروه ذَرْوًا، وذَرْيًا؛ أي: سَفَتْهُ، ومنه قولهم: ذَرَى الناسُ الحنطةَ، ثم قال: وأذريت الشيءَ: إذا ألقيته كإلقائك الحَبّ للزرع، وطعَنَهُ، فأذراه عن ظهر دابّته؛ أي: ألقاه. انتهى. وذكر في "المحكم" نحوه، وهذا يقتضي الفرق بين الثلاثيّ، والرباعيّ، وأن ما يُلقَى في غير محلّ معيّن، يُستعمل فيه الثلاثيّ، كما في هذا الحديث، وما يُلقَى في محلّ معيّن يُستعمل فيه الرباعيّ. قاله الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
(فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ) الجارّ الأول متعلّق بالفعل قبله، والثاني متعلق بحال مقدّر من "الريح"؛ أي: حال كون ذلك الريح كائنًا في البحر، وإنما لم يتعلّق بما تعلّق به ما قبله؛ لئلا يتعلق حرفا جرّ بلفظ ومعنى واحد بفعل واحد، وهو ممنوع، كما هو معروف في محله.
وفي حديث أبي سعيد:"في يوم عاصف"؛ أي: عاصف ريحه. وفي رواية:"في ريح عاصف"، وإنما أمرهم بهذا لتتفرّق أجزاؤه، بحيث لا يكون هناك سبيل إلى جَمْعها في ظنّه، كما بَيَّنَ ذلك بقوله:(فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَىَّ رَبِّي)"قدر" من باب نصر، وضرب، وفرِحَ، يقال: قدرتُ على الشيء: إذا قَوِيتَ عليه، وتمكنتَ منه، والاسم: القدرة.
قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما معناه: يَحْتَمِل أنه رأى أن جَمْعه يكون مستحيلًا، والقدرة لا تتعلّق بالمستحيل، فلذلك قال:"فواللَّه لئن قَدَر اللَّه"، فلا يلزم أنه نَفَى القدرة، فصار بذلك كافرًا، فكيف يُغفر له؟، وذلك أنه ما نفى القدرة على