للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ممكن، وإنما فرض غيرَ المستحيل مستحيلًا فيما لم يثبت عنده أنه ممكن من الدين بالضرورة، والكفر هو الأول، لا الثاني.

ويَحْتَمِل أن شدّة الخوف طيّرت عقله، فما التفت إلى ما يقول، وما يفعل، وأنه هل ينفعه، أم لا؟، كما هو المشاهَد في الواقع في مهلكة، فإنه قد يتمسّك بأدنى شيء؛ لاحتمال أنه لعله ينفعه، فهو فيما قال، وفعل في حكم المجنون. وأجاب بعضهم بأن هذا رجل لم تبلغه الدعوة، وهذا بعيد، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تقدّم هذا البحث مستوفًى في المسألة الخامسة، فأرجع إليه تزدد علمًا جمًّا، وباللَّه تعالى التوفيق.

(لَيُعَذِّبُنِي) جواب القسم، والفعل مبنيّ على الفتح لاتصال نون التوكيد به، (عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا، قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ)؛ أي: جميع ما أوصاهم به، (فَقَالَ) اللَّه تعالى (لِلأَرْضِ: أَدِّي) فعل أمر للمؤنّثة من التأدية، وهي الأرض، (مَا أَخَذْتِ) وفي الرواية الآتية: "فقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِكُلِّ شَيْءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا: أَدِّ مَا أَخَذْتَ منه"؛ أي: من أجزاء هذا الميت، وفي رواية البخاريّ: "فأمر اللَّه الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت. . .". (فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ) "إذا" هنا هي الفُجائيّة؛ أي: ففاجأ قيامه، وفيه سرعة اجتماع أجزائه، وفي حديث سلمان -رضي اللَّه عنه- عند أبي عوانة في "صحيحه": "فقال اللَّه له: كن، فكان كأسرع من طرفة العين".

قال في "الفتح": وهذا جميعه -كما قال ابن عقيل-: إخبار عما سيقع له يوم القيامة، وليس كما قال بعضهم: إنه خاطب روحه، فإن ذلك لا يناسب قوله: "فجمعه اللَّه"؛ لأنَّ التحريق، والتفريق، إنما وقع على الجسد، وهو الذي يُجمع، ويعاد عند البعث. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله في "الفتح"، نقلًا عن ابن عقيل من أنه إخبار عما سيقع. . . إلخ فيه نظر لا يخفى؛ إذ سياق الحديث


(١) "حاشية السنديّ على النسائيّ" ٣/ ١١٣.
(٢) "الفتح" ٧/ ٢٠٦ - ٢٠٧ رقم (٣٤٧٨).