للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا إشارة إلى أن بعض هؤلاء الأربعة أمْيَز في سياق الحديث من بعض، من جهة حِفظ أكثره، لا أن بعضهم أضْبط من بعض مطلقًا، ولهذا قال: "أوعى له"؛ أي: للحديث المذكور خاصّة.

(وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا)؛ أي: سياقًا، قاله في "الفتح"، وقال في "العمدة": "اقتصاصًا"؛ أي: حفظًا، يقال: قصصت الشيء: إذا تتبّعت أثره شيئًا بعد شيء، ومنه قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ٣]، وقوله: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: ١١]؛ أي: اتبعي أثره، ومنه القاصّ الذي يأتي بالقصة، ويجوز بالسين: قسست أثره قَسًّا. انتهى (١).

(وَقَدْ وَعَيْتُ) بفتح العين؛ أي: حفظت (عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم)؛ أي: الأربعة المذكورين، (الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي) ولفظ البخاريّ: "الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عن عائشة"، قال الكرمانيّ: فإن قلت: قال أَوّلًا: "كلهم حدثني طائفة"، وثانيًا: "وعيت عن كل واحد منهم الحديث"، وهما متنافيان.

قلت: المراد بالحديث: البعض الذي حدثه منه؛ إذ الحديث يُطلق على الكل، وعلى البعض، وهذا الذي فعله الزهريّ من جَمْعه الحديث عنهم جائز (٢).

وقال في "الفتح": "الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عن عائشة"، أي: القَدْر الذي حدّثني به؛ ليطابق قوله: "وكلٌّ حدثني طائفة من الحديث"، وحاصله أن جميع الحديث عن مجموعهم، لا أن مجموعه عن كل واحد منهم، ووقع في رواية أفلح: "وبعض القوم أحسن سياقًا".

(وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا) قال الحافظ: كأنه مقلوب، والمقام يقتضي أن يقول: وحديث بعضهم يُصَدِّق بعضًا، ويَحْتَمِل أن يكون على ظاهره، والمراد: أن بعض حديث كلٍّ منهم يدلّ على صدق الراوي في بقية حديثه، لحسن سياقه، وجودة حفظه. انتهى (٣).

وقال في "العمدة": القياس أن يقال: بعضهم يصدّق بعضًا، أو حديث


(١) "عمدة القاري" ١٣/ ٢٢٨.
(٢) "عمدة القاري" ١٣/ ٢٢٨.
(٣) "الفتح" ١٠/ ٣٩٣.