قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا نقل النوويّ كلام عياض، ولم يتعقّبه في قوله:"لأن الإيمان هو التصديق، لا يتجزّأ … إلخ"، وهذا جار على اعتبار أن الأعمال من ثمرات الإيمان، ومكمّلاته، كما هو واضحّ من هذا الكلام، والحقّ أن الإيمان قول، وعمل، واعتقاد، يزيد وينقص، فالعمل داخلٌ في مسمّى الإيمان، وجزء منه، وقد سبق في أوائل هذا الشرح في مباحث الإيمان أن الحقّ كون العمل داخلًا في مسمّى الإيمان لغة، كما حقّقه شيخ الإسلام ابن تيميّة - رَحِمَهُ اللهُ -، وعلى هذا فلا إشكال في الحديث، بل هو على ظاهره، فالإيمان درجات من حيث الاعتقادُ، ومن حيث العملُ، قابل للتجزئة، فليس يقين الأنبياء كيقين سائر الناس، ولا يقين الصحابة كيقين من بعدهم، ولا يقين أبي بكر كيقين بقية الصحابة - رضي الله عنهم -، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوّر بتقليد ذوي الاعتساف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا) هكذا هو "خيرًا" بإسكان الياء: أي صاحب خير.
(وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ) - رضي الله عنه - (يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيث، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)} [النساء: ٤٠] أي لأن الآية لا يشكّ فيها المؤمن، وهي نصّ على أن من عنده شيء قليل من الحسنات، فإن الله - سبحانه وتعالى - لا يُضيعها، بل يثيبه عليها.
(فَيَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: بفتح الفاء، وإنما ذكرته وإن كان ظاهرًا؛ لأني رأيت مُنْ يُصَحِّفه، ولا خلاف فيه، يقال: شَفَعَ يَشْفَع شفاعة، فهو شافع، وشفيع، والْمُشَفِّع بكسر الفاء الذي يَقْبَل الشفاعة، والْمُشَفَّع بفتحها الذي تُقْبَل شفاعته. انتهى.
(وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ) أي ممن يرحم (إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أي الذي وسِعَت رحمته كلَّ شيءٍ، والذي رحمة كلّ أحد في جنب رحمته كلا شيء (فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ) معناه: يجمع جماعة (فَيُخْرِجُ) الله تعالى (مِنْهَا) أي من النار (قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ) أي ليس له خير زائد على مجرّد الإيمان (قَدْ عَادُوا) أي صاروا، والجملة صفة بعد صفة لـ "قوم"، أو حال