للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذه الأرض تصير يوم القيامة نارًا، وتنضم إلى جهنم، فلعل الوجه فيه أن معنى قوله: "خبزة واحدة"؛ أي: كخبزة واحدة، مِن نَعْتها كذا وكذا، وهو نظير ما في حديث سهل؛ يعني: المذكور قبل حديث: "كقرصة النقيّ"، فضرب المثل بها؛ لاستدارتها، وبياضها، فضرب المثل في هذا الحديث بخبزة، تُشْبه الأرض في معنيين: أحدهما بيان الهيئة التي تكون الأرض عليها يومئذ، والآخر بيان الخبزة التي يهيئها الله تعالى نزلًا لأهل الجنة، وبيان عِظَم مقدارها ابتداعًا، واختراعًا.

قال الطيبيّ: وإنما دخل عليه الإشكال؛ لأنه رأى الحديثين في باب الحشر، فظنّ أنهما لشيء واحد، وليس كذلك، وإنما هذا الحديث من باب، وحديث سهل من باب، وأيضًا فالتشبيه لا يستلزم المشاركة بين المشبَّه والمشبَّه به في جميع الأوصاف، بل يكفي حصوله في البعض، وتقريره أنه شبَّه أرض الحشر بالخبزة في الاستواء، والبياض، وشبَّه أرض الجنة في كونها نزلًا لأهلها، ومهيأة لهم تكرمة بعجالة الراكب زاده يقنع به في سفره.

قال الحافظ: آخر كلامه يقرر ما قال القاضي أن كون أرض الدنيا تصير نارًا محمول على حقيقته، وأن كونها تصير خبزة يأكل منها أهل الموقف محمول على المجاز، والآثار التي أوردتها عن سعيد بن جبير وغيره تردّ عليه، والأَولى الحمل على الحقيقة، مهما أمكن، وقدرة الله تعالى صالحة لذلك، بل اعتقاد كونه حقيقة أبلغ، وكون أهل الدنيا يوم القيامة إما أهل إسلام، وإما أهل كفر.

ويستفاد منه أن المؤمنين لا يعاقَبون بالجوع في طول زمان الموقف، بل يقلب الله لهم بقدرته طبع الأرض حتى يأكلوا منها من تحت أقدامهم ما شاء الله، بغير علاج، ولا كلفة، ويكون معنى قوله: "نزلًا لأهل الجنة"؛ أي: الذين يصيرون إلى الجنة، أعمّ من كون ذلك يقع بعد الدخول إليها، أو قبله، والله أعلم. انتهى (١).

(قَالَ) أبو سعيد -رضي الله عنه-: (فَأَتَى رَجُلٌ) وفي رواية: "فأتاه رجل"، (مِنَ الْيَهُودِ) قال الحافظ: لم أقف على اسمه. (فَقَالَ) ذلك الرجل: (بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ أَبَا الْقَاسِمِ) بحذف حرف النداء، وفي رواية البخاريّ: "يا أبا القاسم"،


(١) "الفتح" ١٥/ ١٥.