للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأعطاك، واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فهذا أَولى أن يفسّر به القائل بقوله: يا رسول الله، بخلاف أبي سفيان، فإنه وإن جاء أيضًا مستشفعًا، لكنه لم يكن أسلم حينئذ (١).

وقوله: (اسْتَغْفِرِ اللهَ لِمُضَرَ) هكذا وقع في جميع نُسخ مسلم: "استغفر الله لمضر"، وفي البخاريّ: "استسق الله لمضر"، قال القاضي: قال بعضهم: "استسق" هو الصواب اللائق بالحال؛ لأنهم كفار، لا يُدعَى لهم بالمغفرة.

قال النوويّ: كلاهما صحيح، فمعنى استسق: اطلب لهم المطر والسُّقْيَا، ومعنى استغفر: ادع لهم بالهداية التى يترتب عليها الاستغفار. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: فقيل: "يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت" إنما قال: لمضر؛ لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش، وهم سكان مكة، فسرى القحط إلى من حولهم، فحَسُن أن يطلب الدعاء لهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش؛ لئلا يذكرهم، فيذكر بجرمهم، فقال: لمضر؛ ليندرجوا فيهم، ويشير أيضًا إلى أن غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم، وقد وقع في الرواية الأخرى: "وإن قومك هلكوا"، ولا منافاة بينهما؛ لأن مضر أيضًا قومه، وقد تقدم في المناقب أنه -صلى الله عليه وسلم- كان من مضر. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "اسْتَغْفِرِ اللهَ لِمُضَرَ" كذا صحّ في كتاب مسلم من الاستغفار، ووقع في كتاب البخاريّ: "استسق الله لمضر"، من الاستسقاء، وهو مناسب للحال التي كانوا عليها من القحط، غير أن الذي يُبعده إنكار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على القائل بقوله: "لمضر؟ "، فإنَّ طلب السُّقيا لهم لا يُنكر، وإنما الذي يُنكر طلب الاستغفار لهم.

وقد فسّر البطشة بأنها يوم بدر، وأما اللزام: فهو المذكور بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: ٧٧]، وقد اختُلف فيه فقيل: هو العذاب الدائم، وأنشدوا [من الوافر]:


(١) "الكوكب الوهّاج" ٢٥/ ٤١٠.
(٢) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٤٢.
(٣) "الفتح" ١٠/ ٥٨١.