للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: من تأمل وجد أن ما قاله التوربشتيّ هو معنى ما قاله في "اللمعات"، فلا اختلاف بينهما.

وخلاصته: أنه -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن جزيرة العرب، لا تعود دار شرك، وعبادة أصنام، بل يبقى عموم أهلها على التوحيد، ولا ينافي ذلك ما يقع من بعض أهلها؛ لأن العبرة بالأغلبية، لا بالأفراد الشخصيّة، فالجزيرة العربيّة ما زالت -بحمد الله تعالى- على التوحيد، وإظهار الإسلام، ولن تزال -بإذن الله تعالى- إلى أن يأتي الموعد بانصرام الإسلام، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العزيز الحكيم.

وقوله: (وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ") خبر مبتدأ محذوف؛ أي: ولكن هو في التحريش، أو ظرف لمقدّر؛ أي: يسعى في التحريش؛ أي: في إغراء بعضهم على بعض، وحَمْلهم على الفتن، والحروب، والشحناء، قال القاضي: والتحريش: الإغراء على الشيء بنوع من الخداع، من حَرَشَ (١) الصيادُ الصيدَ: خَدَعه، وله من دقائق الوسواس ما لا يفهمه إلا البُصَراء بالمعارف الإلهية. انتهى (٢).

وفي "المرعاة": قيل: ولعله -صلى الله عليه وسلم- أخبر عما جرى فيما بعده من التحريش الذي وقع بين أصحابه؛ أي: لكن الشيطان غير آيس من إغراء المؤمنين الساكنين فيها، وحَمْلهم على الفتن، بل له مطمَع في ذلك، وكان كما أخبر فكان معجزة له -صلى الله عليه وسلم-. انتهى (٣).

وقال الطيبيّ رحمه الله: لعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه -رضي الله عنهم-؛ أي: أيس الشيطان أن يُعبد فيها، لكن طمع في التحريش بين ساكنيها، وكان كما أخبر فكان معجزة له -صلى الله عليه وسلم-.

قال: ولَمّا ذكر العبادة سمّاهم المصلّين؛ تعظيمًا لهم، وحيث ذكر الفتنة أخرجه مخرج التحريش، وهو الإغراء بين البهائم؛ توهينًا، وتحقيرًا لهم. انتهى (٤)، والله تعالى أعلم.


(١) من باب ضرب.
(٢) "فيض القدير" ٢/ ٣٥٦.
(٣) "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١/ ٣٨٣.
(٤) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٢٥.