للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد يقال: إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار، والجنة لا نار فيها، ومن ثَمَّ قال الإسماعيليّ بعد تخريج الحديث المذكور: يُنظر هل في الجنة نار؟.

وبجاب باحتمال أن يَشتعل بغير نار، بل بقوله: "كن"، وإنما سُمِّيت مِجْمَرة باعتبار ما كان في الأصل، ويَحْتَمِل أن يشتعل بنار لا ضرر فيها، ولا إحراق، أو يفوح بغير اشتعال، ونحو ذلك ما أخرجه الترمذيّ من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إن الرجل في الجنة ليشتهي الطير، فيخرّ بين يديه مشويًّا"، وفيه الاحتمالات المذكورة.

وقد ذَكَر نحو ذلك ابن القيم: في الباب الثاني والأربعين من "حادي الأرواح"، وزاد في الطير: أو يُشْوَى خارج الجنة، أو بأسباب قُدِّرت لإنضاجه، ولا تتعيَّن النار، قال: وقريب من ذلك قوله تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ} [يس: ٥٦] {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: ٣٥]، وهي لا شمس فيها.

وقال القرطبيّ -رحمه اللهُ-: قد يقال: أيُّ حاجة لهم إلى المشط، وهم مُرْدٌ، وشعورهم لا تتسخ؟، وأيّ حاجة لهم إلى البَخُور، وريحهم أطيب من المسك؟ قال: ويجاب بأن نعيم أهل الجنة من أكل، وشرب، وكسوة وطيب، ليس عن ألم جوع، أو ظمأ، أو عُرْيٍ، أو نَتْن، وإنما هي لذات متتالية، ونِعَم متوالية، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا (١).

وقال النوويّ -رحمه الله-: مذهب أهل السُّنَّة أن تنعُّم أهل الجنة على هيئة تنعّم أهل الدنيا، إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة، ودلّ الكتاب والسُّنَّة على أن نعيمهم لا انقطاع له. انتهى (٢).

(وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ) قالى الطبريّ -رحمه اللهُ-: الحور جمع حَوْراء، وهي: النقية بياض العين، الشديدة سوادها، والعين: جمع عيناء، وهي النجلاء العين، في حُسن. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رحمه اللهُ-: الحور: جمع حَوْراء، والْحَوَر في العين: شدّة


(١) "المفهم" ٧/ ١٨٠.
(٢) "الفتح" ٧/ ٥٤٣ - ٥٤٤.
(٣) "تفسير الطبريّ" ٢٣/ ١٠٧.