للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومَقْعَدته، وأما الزَّحْف: فقال ابن دُرَيد وغيره: هو المشيُ على الاسْتِ مع إفراشه بصدره، فحصل من هذا أن الحبو والزحف متماثلان، أو متقاربان، ولو ثبت اختلافهما حُمِلَ على أنه في حالٍ يَزْحَفُ وفي حالٍ يَحْبُو. انتهى (١).

(فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ، فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا) وفي نسخة: "قال: فيأتيها" بزيادة "قال"، يعني أنه يجيء قريبًا منها، أو فيدخلها (فَيُخَيَّلُ) بالبناء للمفعول: أي يُصوَّر (إِلَيْهِ أَنَّهَا) أي الجنّة (مَلْأَى) فَعْلَى تأنيث ملآن: أي ممتلئة بالسكّان (فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى) أي فليس لي مكان فيها (فَيَقُولُ اللهُ تبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ، فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: اذْهَبْ، فَادْخُل الْجَنَّةَ) قال القاريّ - رَحِمَهُ اللهُ -: المراد بها جنس الجنّة، أو جنّة بخصوصها. انتهى (٢). (فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا) قال القاري - رَحِمَهُ اللهُ -: أي في سعتها، وقيمتها. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "وقيمتها" فيه نظر لا يخفى؛ إذ جميع ما في الدنيا لا يساوي قيمةَ أقلّ قليل في الجنّة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "موضع سوط في الجنّة خير من الدنيا وما فيها"، رواه البخاريّ، والله تعالى أعلم.

(وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا) أي زيادة عليها في الكميّة والكيفيّة، وفيه إيماء إلى قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠]، فالمؤمن لَمّا ترك الدنيا، وهي كانت كالحبس في حقّه، جوزي بمثلها عَدلًا، وعشرة أضعافها فضلًا (٤)، والله تعالى أعلم.

(أَوْ) للشكّ من الراوي (إِن لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا) وفي رواية الأعمش الآتية: فيقال له: "أتذكُر الزمان الدي كنت فيه؟ - أي الدنيا - فيقول: نعم، فيقال له: تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى، فيقال له: لك الذي تمنّيتَ، وعشرة أضعاف الدنيا".

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "فيقول الله تعالى له: اذهب فادخل الجنة، فان لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها"، وفي الرواية الأخرى: "لك الذي تمنيت، وعشرة أضعاف الدنيا"، هاتان الروايتان بمعنى واحد، وإحداهما تفسير للأخرى،


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ٣٩.
(٢) "المرقاة" ٩/ ٥٥٢.
(٣) "المرقاة" ٩/ ٥٥٢.
(٤) راجع: "المرقاة" ٩/ ٥٥٢.