فالمراد بالأضعاف الأمثال، فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأخرى في الكتاب:"فيقول الله تعالى: أيُرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ "، وفي الرواية الأخرى:"أترضى أن يكون لك مثل مُلْكِ مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟، فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك، وعشرة أمثاله"، فهاتان الروايتان لا تُخالفان الأُوليين، فإن المراد بالأولى من هاتين أن يقال له أوّلًا: لك الدنيا ومثلها، ثم يزاد إلى تمام عشرة أمثالها، كما بيّنه في الرواية الأخيرة، وأما الأخيرة فالمراد بها أن أحد ملوك الدنيا، لا ينتهي ملكه إلى جميع الأرض، بل يَمْلِك بعضًا منها، ثم منهم من يَكْثُر البعض الذي يملكه، ومنهم من يَقِلّ بعضه، فيُعْطَى هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات، وذلك كله قدر الدنيا، ثم يقال له: لك عشرة أمثال هذا، فيعود معنى هذه الرواية إلى موافقة الروايات الأخرى المتقدّمة، ولله الحمد، وهو أعلم. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
(قالَ) - صلى الله عليه وسلم - وفي بعض النسخ بحذف "قال"(فَيَقُولُ) الرجل (أَتَسْخَرُ) بفتح الخاء المعجمة: أي أتستهزئ (بِي؟) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقع في الروايات "أتسخر بي"، وهو صحيح، يقال: سَخِرتُ منه، وسَخِرت به، والأول هو الأفصح الأشهر، وبه جاء القرآن، والثاني: فصيح أيضًا، وقد قال بعض العلماء: إنه إنما جاء بالباء لإرادة معناه، كأنه قال: أتهزأ بي. انتهى (١).
(أَوْ أَتَضْحَكُ بِي؟، وَأَنْتَ الْمَلِكُ") جملة حالية من فاعل "تضحك"، و"أو" للشكّ، وفي رواية الأعمش: "أتسخر بي؟ "، ولم يشكّ، وفي رواية أنس، عن ابن مسعود: "أتستهزئ بي، وأنت ربّ العالمين؟ ".
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "أو أتضحك … إلخ"، هذا شكّ من الراوي، هل قال: "أتسخر بي؟، أو قال: أتضحك بي؟ "، فإن كان الواقع في نفس الأمر أتضحك بي؟، فمعناه: أتسخر بي؟؛ لأن الساخر في العادة يضحك ممن يَسْخَر به، فوُضع الضحك موضع السخرية مجازًا.