للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والاحتجاج، ويَحْتَمِل أن يكون بلسان الحال. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: حَمْل الحديث على ظاهره هو الحقّ الذي يقتضيه السياق، فهو محاجّة حقيقيّة، والله تعالى على كلّ شيء قدير.

وقال الطيبيّ -رضي الله عنه-: هذه المحاجة جارية على التحقيق، فإنه تعالى قادر على أن يجعل كل واحدة مميِّزة مخاطبة، أو على التمثيل. انتهى (٢).

وقال القاري -رحمه الله-: الأول هو المعوَّل؛ لأن مذهب أهل السُّنَّة أن لله تعالى عِلمًا في الجمادات، وسائر الحيوانات، سوى العقلاء، لا يقف عليها غيره، فلها صلاة، وتسبيح، وخشية، فيجب على المرء الإيمان به، ويَكِلُ علمه إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأدلته كثيرة ليس هذا محل ذكرها، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القاريّ -رحمه الله- (٣)، وهو الصواب الذي لا محيد عنه، وإياك أن تلتفت إلى غيره، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: ظاهر هذه المحاجة أنها لسان مقال، فيكون خزنة كل واحد منهما هم القائلون بذلك، ويجوز أن يخلق الله ذلك القول فيما شاء من أجزاء الجنة، وقد قلنا فيما تقدَّم: إنه لا يُشترط عقلًا في الأصوات المقطَّعة أن يكون محلّها حيًّا، خلافًا لمن اشترط ذلك من المتكلمين.

ولو سلّمنا ذلك لكان من الممكن أن يخلق الله تعالى في بعض أجزاء الجنة والنار الجماديّة حياةً، بحيث يصدر ذلك القول عنه، والله تعالى أعلم، لا سيما وقد قال بعض المفسّرين في قوله تعالى -رحمه الله-: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: ٦٤]: إن كل ما في الجنة حيّ، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك لسان حال، فيكون ذلك عبارة عن حالتيهما، والأول أَولى. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (٤) وهو تحقيق حسن، والله تعالى أعلم.

ثم بيّن كيفية تحاجّهما، بقوله: (فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ) بصيغة المجهول من الإيثار؛ أي: اخْتِيرَتْ (بِالْمُتَكَبِّرِينَ) عن الحقّ، (وَالْمُتَجَبِّرِينَ)؛ أي: على


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٨١.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٥٩٦.
(٣) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٦/ ٣١١.
(٤) "المفهم" ١٣/ ٥٢.