للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الخَلْق بالتسلط، والقهر، فقيل: هما بمعنى، جَمَع بينهما، للتأكيد، وقيل: المتكبر المتعظم بما ليس فيه، والمتجبر الذي لا يوصل إليه، وقيل: الذي لا يكترث، ولا يبالي بأمر الضعفاء والمساكين (١). (وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي)؛ أي: فأيّ شيء وقع لي، (لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسٍ)؛ أي: في البدن والمال، (وَسَقَطُهُمْ) بفتحتين، أي: أردؤهم، وأكثرهم خُمولًا، وأقلّهم اعتبارًا، المحقَّرون فيما بينهم، الساقطون عن أعينهم، وهذا بالنسبة إلى ما عند أكثر الناس؛ لأنهم كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: ٣٧]، وفي موضع آخر: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: ١١١]، وأما بالنسبة إلى ما عند الله تعالى فهم عظماء، رفعاء الدرجات، وكذا عند من عَرَفهم من العلماء والصلحاء، لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم؛ لعظمة الله تعالى عندهم، وخضوعهم له في غاية التواضع لله -عز وجل-، والذلة في عباده، فوَصْفُهم بالسَّقط والضَّعف بهذا المعنى صحيح، أو المراد بالحصر في قول الجنة: "إلا ضعفاء الناس": الأغلب (٢).

وقوله: (وَغِرَّتُهُمْ) بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء، وهي عدم التجربة، أو وجود الغفلة، بمعنى الذين لا تجربة لهم في الدنيا، ولا اهتمام لهم بها، أو الذين هم غافلون عن أمور الدنيا، مشغولون بمهمّ العقبى، على ما ورد في الخبر: "أكثر أهل الجنة الْبُلْه" (٣)؛ أي: في أمور الدنيا، بخلاف الكفار، فإنهم كما قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)} [الروم: ٧]، هذا.

وقال الحافظ -رحمه الله-: رواه الأكثر بغين معجمة مفتوحة، فراء، فثاء مثلثة، أي: أهل الحاجة من الغرث، وهو الجوع، ورُوي بكسر الغين المعجمة، وتشديد اللام، وبتاء مثناة فوقية؛ أي: الْبُلْهُ الغافلون، وهي ثابتة في أكثر نُسخ


(١) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٦/ ٣١١.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٦٢٢ - ٦٢٣، و"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٦/ ٣١١.
(٣) قال الهيثميّ في "مجمع الزوائد" ١٠/ ٤٠٢: رواه البزار، وفيه سلامة بن روح، وثقه ابن حبان وغيره، وضعّفه غير واحد. انتهى، وضعّفه الشيخ الألبانيّ -رحمه الله-.