للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} [فصلت: ٢١ - ٢٣].

٢ - (ومنها): أن فيه إثبات صفة الرِّجل، والقدم لله -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله، فنُثبت، ولا نشبّه، ولا نعطّل، ولا نؤوّل، بل إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل.

ولقد أجاد البغوىّ -رحمه الله- في "شرح السُّنَّة" حيث قال: والقدم، والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزّهة عن التكييف والتشبيه، وكذلك كلّ ما جاء من هذا القبيل في الكتاب والسُّنَّة؛ كاليد، والإصبع، والعين، والمجيء، والإتيان، والنزول، فالإيمان بها فرضٌ، والامتناع عن الخوض فيها واجبٌ، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ، والمنكر معطّل، والمكيِّف مُشَبِّهٌ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]. انتهى كلام البغويّ -رحمه الله- (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وبحث أنيس.

قال القاري بعد نقل ما تقدّم عن "شرح السُّنَّة" ما نصّه: وهو الموافق لمذهب الإمام مالك -رحمه الله-، ولطريق إمامنا الأعظم -أبي حنيفة- على ما أشار إليه في "الفقه الأكبر"، فالتنسليم أسلم، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي حققه البغويّ -رحمه الله- في "شرح السُّنَّة" هو الحقّ، والصواب الذي لا محيد عنه، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره، فلا تلتفت أيها العاقل الحريص على دينه إلى ما طوّل به الشرّاح أنفَاسهم، وأتوا بعجائب ما عندهم، مما يخالف منهج السلف، من الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم، فإن ذلك هو الزيغ عن طريق الهدى، وسلوك سبيل الرّدَى، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٨].


(١) "شرح السُّنَّة" ١٥/ ٢٥٧.
(٢) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٦/ ٣١١.