للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النار (لَقَدْ أَعْطَانِي اللهُ) جواب قسم محذوف: أي والله لقد أعطاني الله (شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) أَقْسَم بالله تعالى من شدّة الفرح أنّ نجاته نعمة ما ظفر بها أحد من العالمين: أي ممن كان على مثل حاله الذين خلّفهم وراءه؛ إذ لم ير أهل الجنّة حتى يعرف أنهم أعطوا أفضل مما أُعطيه بكثير، وقال القاري: ولعلّ وجهه أنه ما رأى أحدًا مشاركًا له في خروجه من النار، ولم يدر أن الأبرار في دار القرار. (فَتُرْفَعُ) بالبناء للمفعول (لَهُ شَجَرَةٌ) أي عندها عين ماء كما يأتي في قوله: "وأشرب من مائها" (فَيَقُولُ: أَيْ) حرف نداء (رَبِّ) تقدّم أن فيه في حالة النداء ستّ لغات (أَدْنِنِي) بقطع الهمزة، أمرٌ من الإدناء رباعيًّا: أي قرّبني (مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة، فَلِأَسْتَظِلَّ) بكسر اللام الأولى، ونصب الفعل كذا في "المرقاة"، وتعقّبه بعض المحقّقين، فقال: ولا يخفى ما فيه، والصواب أن تُسَكّن اللام؛ لكونها للأمر مقرونةً بالفاء، ويُجزَم بها الفعل، وما عُطِف عليه، فإن أمر المتكلّم نفسه بفعل مقرون باللام فصيحٌ، ورد في الكتاب العزيز، والحديث الشريف، قال تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: ١٢]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا فلأصلِّ لكم"، متّفقٌ عليه. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا التعقّب غير صحيح؛ إذ الظاهر أن الرواية بنصب الفعل، وتوجيهه ما ذكره الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -، قال: الفاء فيه سببتة، واللام مزيدة للتأكيد، أو عكسه. انتهى (١).

وحاصل ما أشار إليه أن الفعل منصوب بـ "أن" مضمرةً بعد الفاء السببيّة الواقعة بعد الطلب، كما قال في "الخلاصة":

وَبَعْدَ فَا جَوَابِ نَفْيٍ أَوْ طَلَبْ … مَحْضيْنِ "أَنْ" وَسَتْر حَتْمٌ نَصَبْ

وعلى هذا فاللام زائدة للتأكيد، أو الفعل منصوب بـ "أن" مضمرةً أيضًا بعد "لام كي"، وعلى هذا فالفاء زائدة للتأكيد، والله تعالى أعلم.

(بِظِلِّهَا) أي ظلّ تلك الشجرة (وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، فَيَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: يَا ابْنَ آدَمَ لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا) أي مسألتك، أو أُمنيّتك، وقوله: (سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا؟)


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٥٣٦.