بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ) أي ثالثة (عِنْدَ بَابِ الْجَنَّة، هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَيَيْن، فَيَقُولُ: أَيْ رَب أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ؛ لِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، هَذِهِ) قال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: منصوب المحلّ بفعل يفسّره ما بعده: أي أسألك هذه، وقوله:(لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا) جملة في محلّ نصب على الحال، أو مستأنفة (وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ) ولفظ أبي عوانة: "والربّ يعلم أنه سيسأله غيرها"(لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا) وفي بعض النسخ: "عليه"، وقد سبق توجيه الوجهين قريبًا (فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا، فَيَسْمَعُ) وفي نسخة: "فسَمِعَ"(أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أي في مؤانستهم مع أزواجهم، أو في محاورتهم مع أصحابهم، فأراد الاستئناس بهم، أو في غنائهم، فأراد التقرّب ليلتذّ بأنغامهم (فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِيهَا، فيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هو بفتح الياء، وإسكان الصاد المهملة، ومعناه: يَقْطَع مسألتك مني، قال أهل اللغة:"الصَّرْيُ" بفتح الصاد، وإسكان الراء: هو القطع، ورُوي في غير "صحيح مسلم": "ما يَصْرِيك مني؟ "، قال إبراهيم الحربيّ: هو الصواب، وأنكر الرواية التي في "صحيح مسلم" وغيره: "ما يَصْرِيني منك"، قال النوويّ: وليس هو كما قال، بل كلاهما صحيح، فإن السائل متى انقَطَع من المسؤول انقَطَع المسؤول منه، والمعنى: أَيُّ شيء يُرْضِيك، وَيقْطَع السؤال بيني وبينك؟. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -.
وقال الطيبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "ما يصريني منك؟ ": أي ما يقطع مسألتك، ويمنعك من سؤالي؟ يقال: صَرَيتُ الشيءَ: إذا قَطعته، وصَرَيتُ الماء، وصَرّيته: إذا جمعته، وحَبَسته، وقال التوربشتيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: صَرَى الله عنه شَرّه: إذا رَفَعَه، وصَرَيته: منعته، وصَرَيتُ ما بينهم صَرْيًا: أي فَصَلتُ، يقال: اختصمنا إلى الحاكم، فصَرَى ما بيننا: أي قَطَعَ ما بيننا وفَصَلَ، وحسن أن يقال: ما يفصل بيني وبينك؟.
والمعنى هنا: ما الذي يُرضيك حتى تترك مناشدتك؟ فقد أجبتك إلى ما سألت كرّةً بعد كرّة، وأخذتُ ميثاقك أن لا تعود، ولا تسأل غيره، وأنت لا