تفي بذلك، فما الذي يَفصِل بيني وبينك في هذه القضيّة؟ ففيه بيان فضل الله العظيم على عباده، وسعة رحمته وكرمه وبرّه ولطفه بهم، حيث يُخاطبهم مخاطبة المستعطف الباعث سائله على الاستزادة، فما أكرم جوده الجسيم، وما أعظم برّه العميم!.
(أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ ") ولفظ أبي عوانة: "وأنت ربّ العزّة"، إنما قال هذا لغلبة الفرح والسرور عليه، قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الكلام صادرٌ عنه، وهو غير ضابط لما قال من شدّة السرور ببلوغ ما لم يَخطُر بباله، فلم يضبط لسانه دهشةً وفَرَحًا، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق، ونحوُهُ ما جاء في حديث التوبة من قول الرجل لَمّا وجد راحلته، وما حملته: "اللهم أنت عبدي، وأنا ربّك"، متّفقٌ عليه.
(فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ) - رضي الله عنه - (فَقَالَ: أَلَا) بالتخفيف: أداة تحضيض (تَسْأَلُونِّي) قال القاري - رَحِمَهُ اللهُ -: بتشديد النون، وتخفف. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره القاري من الضبط بالوجهين يعتمد على صحة الرواية بهما، فإن صحّت بأحدهما فهو المعتمد، ولم أجد من حقّق الرواية، غير أن النُّسخ مضبوطة بالقلم بالتشديد، والله تعالى أعلم.
(مِمَّ أَضْحَكُ؟ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ؟ قَالَ: هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: "مِنْ ضِحْكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
قال التوربشتيّ: الضحك من الله تعالى، ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كانا متّفقين في اللفظ، فإنهما متباينان في المعنى، وذلك أن الضحك من الله - سبحانه وتعالى - يُحمل على كمال الرضا عن العبد، هارادة الخير ممن يشاء أن يرحمه من عباده. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله التوربشتيّ من معنى ضحك الله - سبحانه وتعالى - تفسير باللازم، يريد بذلك أن الضحك مجاز، وليس حقيقةً، وهذا غير صحيح،