رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إنكم تُحشرون رجالًا وركبانًا، وتُجرّون على وجوهكم"، ففيها معارضة لحديث الباب ظاهرًا.
[قلت]: أجيب بأنهم يُبعثون من قبورهم في ثيابهم التي يموتون فيها، ثم عند الحشر تتناثر عنهم ثيابهم، فيُحشرون عُراة، أو بعضهم يأتون إلى موقف الحساب عراة، ثم يكسون من ثياب الجنة، وبعضهم حَمَل قوله:"يبعث فى ثيابه" على الأعمال؛ أي: في أعماله التي يموت فيها من خير أو شر، قال تعالى:{وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف: ٢٦]، وقال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)} [المدثر: ٤]؛ أي: عملك أخْلِصه، وروى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- مرفوعًا:"يُبعث كل عبد على ما مات عليه".
وحمَله بعضهم على الشهداء الذين أمر -صلى الله عليه وسلم- بأن يزمّلوا في ثيابهم، ويُدفنوا بها، ولا يغيّر شيء من حالهم، وقالوا: يَحْتَمِل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهداء، فتأوله على العموم.
وقال بعضهم: ومما يدل على حديث الباب قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام: ٩٤]، وقوله تعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}[الأعراف: ٢٩]، ولا ملابس يومئذ إلا في الجنة، ذكره في "العمدة"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأَولى في الجمع قول من قال: إنهم يخرجون من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيُحشرون عراة، ثم يكون إبراهيم -عليه السلام- أول من يُكسَى، ثم يُكسون بعد ذلك، وهذا أقرب في الجمع بين هذه الأخبار، والله تعالى أعلم.
({كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ})، ووقع في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- عند ابن أبي الدنيا:"يحشر الناس حفاة، عراة، كما بُدِئوا".
وأول الآية هو قوله:{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}[الأنبياء: ١٠٤]؛ أي: يوم نطوي السماء طيًّا كطي السجل الصحيفة للكتاب المكتوب، وعن عليّ، وابن عمر -رضي الله عنهم-: السجل ملَك يطوي كتب ابن آدم، إذا