قال الحافظ -رحمه الله-: واستُشكل بأن الجماعة إذا وقفوا في الماء الذي على أرض معتدلة، كانت تغطية الماء لهم على السواء، لكنهم إذا اختلفوا في الطول والقصر تفاوتوا، فكيف يكون الكل إلى الأذن.
والجواب: أن ذلك من الخوارق الواقعة يوم القيامة، والأَولى أن تكون الإشارة بمن يصل الماء إلى أذنيه إلى غاية ما يصل الماء، ولا ينفي أن يصل الماء لبعضهم إلى دون ذلك، فقد أخرج الحاكم من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- رفعه:"تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة، فيَعْرَق الناس، فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ نصف ساقه، ومنهم من يبلغ ركبته، ومنهم من يبلغ فخذه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ منكبه، ومنهم من يبلغ فاه -وأشار بيده، فألجمها فاه- ومنهم من يغطيه عرقه -وضرب بيده على رأسه-" ويشهد له حديث المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- الآتي، لكنه ليس بتمامه، وفيه:"تُدنَى الشمسُ يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل، فيكون الناس على مقدار أعمالهم في العرق. . ." الحديث، فإنه ظاهر في أنهم يستوون في وصول العرق إليهم، ويتفاوتون في حصوله فيهم.
وأخرج أبو يعلى، وصححه ابن حبان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"يوم يقوم الناس لرب العالمين، قال: مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة، فيهون ذلك على المؤمن، كتدلي الشمس إلى أن تغرب"، وأخرج أحمد، وابن حبان نحوه من حديث أبي سعيد، والبيهقيّ في "البعث" من طريق عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة:"يُحشر الناس قيامًا أربعين سنة شاخصة أبصارُهم إلى السماء، فيلجمهم العرق من شدة الكرب"(١).
وقوله: (وَفي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُثَنَّى: قَالَ: "يَقُومُ النَّاسُ"، لَمْ يَذْكُرْ:"يَوْمَ") بيّن به الاختلاف بين شيوخه، فقد رواه محمد بن المثنّى، فقال:{يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، فلم يذكر لفظة:{يَوْمَ}، ورواه الآخرون، فقالوا: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)}، بذكر {يَوْمَ}، والله تعالى أعلم.
(١) "الفتح" ١٥/ ٤٧ - ٤٨، "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٣١).